حوار

الدكتور عمار عبد الرحمن لجريدة البصائر:/ حاورته: فاطمة طاهي

 

– “الفايسبوك لعب دورا محوريا في تحديد معالم الحراك الشعبي”.

– “الحراك اليوم أنجب نخبا جديدة وأنجب مجتمعا مدنيا حقيقيا ومتحضرا”.

– “أكثر من 200 صفحة للذباب الالكتروني فتحت في يوم واحد”.

 

تحدث الأستاذ الجامعي بكلية علوم الإعلام والاتصال، الأستاذ عمار عبد الرحمن في حوار له مع جريدة البصائر عن الدور الفعال لمواقع التواصل الاجتماعي سيما الفايسبوك، في تأطير وتنظيم الحراك الشعبي خاصة من خلال تحديد المواعيد وأمكنتها، كما أشار إلى دور الحراك الشعبي في تنمية الوعي السياسي للشعب الجزائري، مشيرا إلى أخلقية الحراك خصوصا من خلال المبادرات الشبابية التضامنية والحضارية، والتي كان للحراك دورا فيها من خلال توجيه وتفعيل سلوك شباب الجزائر، كما أشار أيضا في حديثه إلى الذباب الالكتروني، مضيفا أن هذا الأخير قام بفتح أكثر من 200 صفحة خلال يوم واحد، وذلك من أجل الترويج لسياسة التيئيس والتلاعب على حبل الجهوية والعنصرية، وقد تطرق الأستاذ للحديث أيضا عن نقاط أخرى مهمة حول ما أضافته هذه الوسائط الجديدة للحراك الشعبي.

  • بداية لو تعرفوا القراء عن شخصكم الكريم؟
  • الأستاذ عمار عبد الرحمن، من كلية علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر 3، أستاذ يدرس عدة مقاييس أبرزها: مقياس تاريخ الجزائر المعاصر، وسيميولوجية الصورة، البرمجة، والاتصال التنظيمي، وكل ما له علاقة بالإعلام السمعي البصري والصحافة المكتوبة، سبق لي أن شغلت منصب مدير عام لجريدتي: الأحداث والأمة العربية، كنت مدير تحرير لعدة جرائد مختلفة منها ما هي يومية وأسبوعية وحتى شهرية، كما كنت رئيس تحرير ومدير تحرير لعدة مجلات متخصصة، ولعل أبرزها مجلتي المثقف ومجلة الجزائر، هذه الأخيرة متخصصة في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، مدرب دولي حائز على الشارة الدولية في التقديم الإذاعي التلفزيوني، سبق لي وأن كنت معد ومنشط ومستشار خارجي بالإذاعة الوطنية القناة الأولى لمدة ثمانية سنوات، كاتب، لدي عشرة كتيبات تحمل عنوان:”أبطال بلادي” تؤرخ لرموز الثورة الجزائرية على غرار شهداء الثورة، منهم: العربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد ومحمد بوراس وكريم بلقاسم وعميروش وعبان رمضان، وهواري بومدين، ومحمد بوضياف، وديدوش مراد، وزيغود يوسف، ولدي كتابان أكاديميان الكتاب الأول تحت عنوان: الصورة والرأي العام “السلطة الخامسة” وهي عبارة عن سيميولوجية للصورة، دراسة تحليلية، والكتاب الأخير والذي صدر قبل عامين تقريبا يحمل عنوان “جمهورية الفايسبوك، السلطة الافتراضية”.
  • كيف ترون دور مواقع التواصل الاجتماعي في تنظيم وتأطير الحراك الشعبي من خلال تحديد الأزمنة والأمكنة؟
  • قبل أن نتحدث عن الحراك الشعبي في الجزائر ودور مواقع التواصل الاجتماعي فيه، اتركيني أعود بالقارئ الكريم إلى سنوات قليلة إلى الوراء، فمثلا في سنة 2011 الكل كان متخوفا من هذه المواقع، لأننا كلنا نعرف أن المدونات والمدونين في تونس كانوا وراء الثورة التونسية، ونعرف أن التويتر وشيئا من الفايسبوك كان السبب في الثورة المصرية، نعرف كلنا أن الرئيس الأسبق المصري حسني مبارك، قد أمر بقطع الأنترنت خوفا من هذه المواقع، لكن اليوم في 2019 نتحدث عن حراك من نوع آخر، لا نتحدث اليوم على أزمات مجتمعية بداخل هذه الدول، لا نتحدث عن صراعات وعن تدخلات للجيش، نتحدث عن حراك سلمي، حراك منظم وممنهج وحضاري، نتحدث عن مؤسسة عسكرية رافقت هذا الحراك باحترافية رائعة، وبالتالي اليوم أصبحت هذه المواقع تلعب دورا إيجابيا في تحديد هذه المعالم، أنا أعرف الكثير من رواد هذا الفضاء الأزرق الذين أصبحوا ينهلون منه ويأخذون المعلومات من داخله خلافا لما ينشر في بعض القنوات، وبالتالي أصبح منبرا إعلاميا، ودعيني أقول لكم وبصفتي مختصا في الإعلام، أنه قد أصبحت اليوم صحافة المواطن أقوى من الصحافة الرسمية، وبالتالي اليوم هذه المواقع أصبحت تلعب دورا هاما جدا، نعم لا نستثني أن فيه بعض الانزلاقات المنشورة، وأنا كتبت كثيرا في الفضاء الأزرق ونسبتها شخصيا إلى ما أسميناه بالذباب الالكتروني التي هي تدخلات من نوع خارجي، وبالتالي هذه كانت تحاول أن تشوه النظرة الحقيقية لهذا الحراك، ولكن أعتقد أن الفايسبوك خاصة قد لعب دورا محوريا في تحديد معالم الحراك الشعبي بدليل أنه قد كان الفايسبوكيون يتلقون التوصيات والتوجيهات من داخل الفضاء الأزرق وليس من التلفزيونات أو الشاشات أو الجرائد أو غيرها.
  • اليوم الحراك أثمر العديد من المبادرات التضامنية والإنسانية قام بها شباب الجزائر، حدثنا دكتور عن دور هذا الحراك الشعبي من خلال هذه المواقع في تفعيل وتوجيه سلوك شبابنا؟
  • أتذكر أنه في يوم من الأيام كان بعض المسئولين الجزائريين، أقول البعض من المسئولين الجزائريين يتحدثون عن طيش الشباب، ويقولون إن مواقع التواصل الاجتماعي ما هي إلا منصات للدردشة والكلام الفارغ والتافه، لكن أثبت هذا الحراك بأننا نتحدث اليوم عن شباب متمكن، عن شباب واع عن شباب متخلق، ليس سهلا أن 22 مليونا جزائريا مثلا ينزل في جمعة واحدة في ساعة واحدة وفي أماكن جد محددة، ولا تكون هناك انزلاقات، هذا ينم على وعي الجزائريين بشكل عام والشباب بشكل خاص، هذا ينم على أن درجة الوعي كانت كبيرة جدا وباحترافية كبيرة، مما زاد من قوة هذا الحراك وأعطاه ما يسمى باللبنة الأخلاقية، وبالتالي ما زاد في أخلاق هذا الحراك هو ما بعد نهاية الحراك، حملات تنظيفية، بصراحة أنا أدهشتني، شباب من كل الأطياف ومن كل الأيديولوجيات وحتى من كل الفئات العمرية، مثلا في العاصمة مع نهاية الحراك تلاحظين بأن الشوارع جميلة ونظيفة، أنا أراه حراك رباني ولا أعتقد أن يد الإنسان هي من تدخلت فيه، وهذا ما قلته حتى على مستوى التلفزيون الجزائري قلت إن هذا الحراك رباني، حيث في إحدى الجمعات ظهرت طبقة جديدة شريحة لم تكن موجودة، وإن كانت موجودة لم تظهر، شباب ارتدوا سترات برتقالية، وأخذوا يجولون في الشوارع وداخل الحراك، بالله عليك هل هذه الصور ترينها خارج الجزائر لا أعتقد، أنا أثمن هذه الأخلقة للحراك.
  • كيف ترون دور الحراك الشعبي في تنمية وتشكيل الوعي السياسي لدى شبابنا خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
  • اليوم أصبح الحراك سياسة، اليوم لا وجود للسياسيين في الجزائر، هذا رأيي لا وجود اليوم لحركة سياسية منظمة تمثل الأحزاب السياسية، هذه الأحزاب سقطت شرعيتها، أين كانت وأين هي الحلول، لحد اليوم مازالت لا تعرف الحلول، والحراك اليوم أنجب نخبا جديدة وأنجب أيضا مجتمعا مدنيا حقيقيا ومتحضرا، وأصبح يطرح البدائل اليوم في بيانات كثيرة، تنشر على صفحات الجرائد وعلى القنوات التلفزيونية يعطون فيها حلولا دستورية وحلولا قانونية حقيقية، وليست مجرد كلام السياسيين الذين وضعوا الجزائر في موقف حرج، أصبحنا نعاني أزمة حقيقية لكن بطبيعتي متفائل، أعتقد أن الحراك حرك كل شيء، هذا الحراك حرك كل شيء بما في ذلك الضمائر، أنا أعتقد اليوم على الجميع أن يمشي وراء الحراك، أصبح الحراك هو الموجه وهو من يكوّن هؤلاء الذين سموا أنفسهم بسياسيين، ولا أعتقد أنهم سياسيين إنما هم بالنسبة لي انتهازيين وأنانيين، أرادوا أن يحققوا مآرب خاصة بعيدا عن حب هذا الوطن.
  • هل يمكن أن نقول أن هذا الوعي السياسي لشباب الجزائر كان موجودا قبل الحراك، حيث كلنا شاهدنا هؤلاء الشباب في مدرجات الملاعب حيث غنوا للوطن وغنوا للمظلومين، وغنوا ضد العصابة وغنوا للمساواة والعدالة؟
  • نعم الوعي كان موجودا، لم يكن بهذه النسبة الكبيرة لكنه كان موجودا، بدليل ما قلته، ولو أن المسئول الجزائري آنذاك وجه سمعه صوب ملاعب الجمهورية لفهم كل شيء لفهم أن هذا الشباب واع وكان يدرك الأمور وناضج وليس بشباب طائش، مثلما روج له سابقا، أراد المسئول آنذاك ولما أقول المسئول بصفة الجمع وليس بصفة المفرد، هذا المسئول أراد أن يطمس طموحات هذا الشباب، أراد أن ينبذهم أراد أن يحد من عزيمتهم ومن إرادتهم ومن حبهم للتطلع، وأن هذه القوة التي كانت فيهم فطمسها في أمور تافهة في كل مرة مشاريع وهمية، حتى أنه بالمناسبة أثمن ما قاله فريق القايد صالح حين سماهم بالعصابة، هذه العصابة التي أرادت أن تفقد توازن المجتمع، وأقول بكل حسرة وصلت كأكاديمي أني أفكر بمنطق شعبوي إلى درجة بدأت أشك أن هؤلاء المسئولين كان يدخلون أمورا سحرية، أصبحت أدخل في هذا النطاق وأقول 20 سنة وكأن فيه ضرب من ضروب السحر والشعوذة، ليس من المعقول تنويم شعب كامل وتخدير شعب كامل لقد خدروا الشعب بمشاريع وهمية وبقرارات جزافية وتعسفية، وبالتالي أين كنا من كل هذا؟ أعود وأقول بعد 20 سنة هي يد الأقدار التي حركت هذا الحراك فهي أمور ربانية، أن نتفطن لهذه الأمور بطريقة جزافية وعفوية مباشرة بعد 20 سنة من التخدير، وبالتالي لا يمكن أن نتحدث عن شباب غير واع، لا بل كان واعيا بدليل في سنة 2011  لما ظهر ما اصطلح عليه خطئا هذا المصطلح الربيع العربي، وما كان أبدا بربيع عربي، وقلناها يومها بل كان شتاء أسودا كان شتاء حلكا كان شتاء دمويا بالنسبة لكل الأشقاء العرب، الشعب الجزائري حينها  لم يقم بأي حركة تمس أمن البلاد والعباد، هذا دليل واضح أن الجزائري كان واعيا، وإنما فقط أغلقت المنابر وهمش هؤلاء الشباب وخدر، وأكثر من ذلك تقريبا استبعد في مجالات اهتماماته، ووضعوا له قيودا وحدودا كأنهم جففوا منابع فكرهم وإبداعهم وتركوه كالبهيمة أكرمكم الله، لم يرد له الاتجاه نحو الإبداع ونحو المستقبل، بدليل أيضا أن الآلاف من المهندسين والأطباء والخبراء والأساتذة كلهم اتجهوا نحو الخارج، وأثبتوا كفاءتهم واليوم أصبح يروج للكفاءات الجزائرية في الخارج، كيف نفسر هذا الأمر لما يخرج من الجزائر يصبح كفاءة، وهنا في الجزائر يقول له المسئول أنت لا تصلح حتى أن تكون مواطنا صالحا، شككوه في وطنيته وفي إخلاصه وفي إبداعاته وفي قدراته، وحتى شككوه في علومه وحتى في أصوله، شككوه حتى في عاداته وفي تقاليده وأعرافه وقيمه، شككوه في كل شيء، حتى أصبحت سياسة التيئيس في البرنامج اليومية لهذا الشعب.
  • ذكرتم قبل قليل مصطلح الذباب الالكتروني، وقد شاهدنا في فترة الحراك الشعبي ظهور الكثير من الصفحات التي تروج إلى العنف وإلى الجهوية وإلى إشعال نار الفتنة والتفرقة بين الشعب الجزائري، هذا الأخير الذي تغلب على ما كانت تدعو إليه هذه الصفحات، وأثبت في ميدان الحراك من خلال شعاراته أنه شعب واحد وتحت راية واحدة. حدثنا عن هذه النقطة ؟
  • نعم الحديث عن الذباب الالكتروني أو الوباء الالكتروني وحتى المخدر الرقمي، فهي مصطلحات عديدة تعددت أوصافها لكن كما يقال إن الموت واحد ولو تعددت صفاته، وبالتالي هذا نوع وضرب من ضروب الموت، وإعطي للقارئ الكريم معلومة إحصائية بسيطة تحفظ تحصلت عليها لأني من المهتمين بهذا الجانب، وهي أكثر من 200 صفحة للذباب الالكتروني فتحت في يوم واحد في منتصف الحراك الشعبي، وقد روجت لسياسة التيئيس وتلاعبت على حبل الجهوية والعنصرية، ثم دخلت في جوانب أخرى وفي متاهات، وقد تابعت جيدا هذه القضايا وأجبت بمنشورات قوية جدا في صفحتي بالفايسبوك، حيث أن هذا الذباب الالكتروني أراد أن ييئس الشباب وهذا الحراك، وأراد أن يقلق هذا الحراك، أراد أن يجعل من هذا الحراك تخريبا ومجالا للتنابز بالألقاب، ومجالا لتقاذف التهم، اتهامات في كل الجوانب بدليل أن البعض أدخل بعض الرايات التي هي بعيدة عن الراية الوطنية، فمثلا في منطقة القبائل على أساس أن الراية التي رفعت تمت بصلة للثقافة ولكن ما كان لهم أن يفعلوا ذلك، أو على الأقل لما فعلوا ذلك الكل يعرف أنها كانت غير محسوبة كانت بطريقة عفوية، لكن هناك من استغل هذا الموقف وترجمه إلى أشياء أخرى، ليس فقط الراية الأمازيغية ظهرت أيضا الراية النايلية التي ظهرت في الجمعات الأولى، ولكن في الحقيقة هذا لم يؤثر على الحراك لكن المرغوب أنها لا تظهر، لماذا؟ حتى تظهر الوحدة الوطنية، لكن ظهورها قلت لم يؤثر على الجزائريين.
  • أستاذ وأنتم متخصصون في سيمولوجية الصور، اليوم العديد من الصور رفعت في الحراك الشعبي بدلالات تاريخية وطنية إضافة إلى صور ذات دلالات سياسية بطريقة هزلية، أكيد للمهتمين بهذا المجال ستكون دراسات جديدة حول الحراك الشعبي ومواضيع جديدة من أجل إثراء المكتبة الجامعية؟
  • والله وضعت الأصبع في مكمل الجرج كما يقال، بالفعل اليوم هذا الحراك سيقدم لنا على مستوى كلية الإعلام والاتصال دراسات جديدة ومتجددة، بكل صراحة أنا شخصيا بدأت أطلب من طلبة الدكتوراه الاهتمام بما أفرزه الحراك من صور ومن شعارات وبرسائل الألسنية المصاحبة للرسومات والكاريكاتور، يعني ستكون دراسات رائعة وبإذن الله، حيث سأقدم عملا عن الحراك في هذا الاتجاه بما أني مختص بالدرجة الأولى في سيميولوجية الصورة، أنا مهتم جدا بهذا الشأن، وقد سبق لي في وكالات الأنباء الجزائرية أني عملت دراسة تحليلية لبعض الشعارات، اليوم الشعارات هادفة وشعارات مختلفة ليست شعارات كلاسيكية أو تقليدية، حتى الهتافات لم تعد نفس الهتافات الكلاسيكية، وتجاوبت مع المطالب وتغيرت بالطريقة المطروحة، صور رائعة أنتجها الحراك الشعبي في كل الجمهورية الجزائرية، يعني تقريبا أن هذا الحراك وحد الجزائريين من جديد، أن سميته بتجديد نفس 1962 وتجديد نفس الاستقلال 05 جويلية، لأنه اليوم نرى صورا للذين أرادوا أن يشوهوا صورة الشباب الجزائري الذين قالوا فيما سبق ومنذ سنوات إن هذا الشباب لا يأبه لأي حادثة تاريخية، ولا يأبه للتاريخ، لا يعطي اعتبارا لرموز الشهداء ولرموز الثورة التحريرية، كما قالوا: أنهم لا يأبهون للراية الوطنية ولا يجيدون حتى النشيد الوطني، فإذا بهذا الحراك يفاجأ الجميع كأنه حراك جاء من وحي التاريخ، حراك جاء من وحي نوفمبر، كأستاذ في تاريخ الجزائر المعاصر كأني أرى بيان أول نوفمبر يظهر من جديد، نفس خطى مجموعة 22، نفس الخطى في تحديد المعالم وتمجيد اللغة العربية والدين الإسلامي واللغة الأمازيغية، ورموز الثورة، صور ترفع من طرف الشباب الجزائري لمحمد العربي بن مهيدي ولمصطفى بن بولعيد، وحسين آيت أحمد، ومحمد بوضياف، ولبيطاط وزيغود يوسف، وصور رائعة صنعتها فتيات الجزائر وهن حاملات صورة حسيبة بن بوعلي، صور لمليكة قايد صور لجميلات الجزائر كما أسميهن صور لبوعزة وجميلة بوحيرد، هي صور حتى في المحافل الرسمية لم نرها إلا في المناسبات، إلا في  نوفمبر أو في 05 جويلية، وصور لمئات الشهداء ولخنسوات الجزائر اللواتي فقدن أبناءهن، صور رائعة صور لمجاهدين وصور للتاريخ وصور للأمير عبد القادر، ولالة فاطمة نسومر، وصور للشيخ محمد البشير الإبراهيمي، وللعلامة عبد الحميد ابن بايس، تحت شعار “يا نشأ أنت رجاؤنا وبك الصباح قد اقترب” هذه الجملة التي رأيتها في أكثر من مشهد، حتى ولو كان هناك من يصنفها أنها قصيدة، أنا لا أعتقد أنها قصيدة، تواضعا لست رجل أدب، ولكن أعتقد أنها منهاج حياة، في هذه الجملة وكأنه كان يخاطب شباب اليوم، كما وجه الشيخ البشير كلمة مؤثرة بعنوان: إلى أن الشباب الجزائري  أعطى دروسا ونصائح، وقد عادت تلك النصائح إلى الواجهة وكانت في الحراك، ألم نشاهد الورثلاني في هذا الحراك، ألم نتحدث عن الميلي وعن العربي التبسي رحمة الله عليه الشهيد الذي ليس له قبر، ألم نتحدث عن العلماء، ألم تعد جمعية العلماء المسلمين إصلاحية من باب آخر، ألم تعد من هذا الحراك ومن هذا الشباب، إذن كيف نقول أن الشباب غير واع وغير ناضج، إنه يفهم التاريخ ويحب تاريخه ورموز تاريخه، سواء كانوا إصلاحيين أو من الثوريين أو من الاستقلاليين أو غيرهم.
  • حدثنا أستاذ أكثر عن علاقة الشباب بمواقع التواصل الاجتماعي خاصة علاقته مع الفضاء الأزرق ؟
  • في وقت من الأوقات وبالتحديد في سنوات 2007 و 2008 حتى 2010، كان الجميع يظن أن الشاب الجزائري لا يعرف معنى الفضاء الافتراضي ولكن بعد سنة 2010 بدأت نوع من الموجة، وأصبح هذا الفضاء الافتراضي في الحقيقة موضة، كان فضولا في الغالب فضول إلى ولوج هذا العالم، فكان عبارة عن دردشات على مستوى منصات تواصلية ليس إلا، كان مجرد دردشة لهؤلاء الشباب، ولكن فيما بعد تغيرت المفاهيم وأصبح الشاب اليوم يرتاد هذه المواقع ليضع آراءه ويناقش أفكاره مع الآخر، وهذا الشيء المحبذ في هذا الفضاء، اليوم الشباب تغيرت نظرته في هذا الفضاء، أكثر من ذلك أضيف للقارئ الكريم أنه قد توصلنا اليوم إلى دراسة ميدانية حقيقية إذ لم يعد الجزائري يهتم بالفضاء الأزرق فقط “الفايسبوك”، وإنما تعداه إلى تويتر والأنستغرام واليوتوب، حيث لم يكن لدينا سابقا في الجزائر المهتمين بالتويتر، كان الاهتمام به أكثر من المشارقة، أما الجزائريون كانوا مهتمين بالفايسبوك بالدرجة الأولى، اليوم أصبح تويتر عنده عدد كبير من المشتركين في الجزائر، وتويتر معروف في الكتابة له حوالي 126 كلمة فقط، إذ لا يمكن أن نتعداها، وليس له تطبيقات مثل الموجودة على مستوى الفايسبوك كالصورة والصوت، وبالتالي اليوم الجزائري أصبح حتى في طريقة الكتابة يقتصد وأصبحت لديه منهجية في الكتابة حتى ولو لم يدخل الجامعة، يعني الجزائري بشكل عام أصبحت له ثقافة التعامل مع هذه المواقع الافتراضية التواصلية على غرار التويتر والانستغرام والفايسبوك بدرجة أكبر.
  • سابقا كنا نتخوف من الإدمان على هذه المواقع، لكن اليوم أصبحنا ربما نرى أن هذا الإدمان إيجابي إلى حد ما… إن صح القول؟
  • نعم هو إدمان إيجابي، إذا كان فيه إدمان وكنا نتضايق لأنه فيه أكثر من خمس ساعات يقضيها الشاب أو المراهق في صفحات الفايسبوك، يتصفح هنا ويتنقل هنا ويحاول أن يسقط أفكاره هناك، إلا أنه اليوم أصبح منبرا حقيقيا وإيجابيا لهؤلاء الشباب الذين تمكنوا من مواجهة الثقافة الأخرى وأن يتشبعوا خاصة بثقافة حب الوطن، وذلك خلال ما ينشر من صور رائعة لهذا الحراك، ومن خلال المقابلات الصحفية التي تكون في الخارج بعيدة عن الإطار الإعلامي الرسمي، هذه اللقاءات التي أصبحت اليوم تجمع العاصمي بالقبائلي وبالشاوي وبالترقي والمزابي والوهراني والنايلي، وبالتالي هذه الثقافة عادت من جديد، لهذا أعود وأقول إني أشتم روح نوفمبر عادت لتظهر في هذا الحراك.
  • غريب هذا العالم نعيش في الواقع بأسماء حقيقية وبمشاعر مزيفة وفي الفايسبوك مشاعر حقيقية بأسماء مزيفة”، هي عبارة ذكرتموها في كتابكم الذي يحمل عنوان: “جمهورية الفايسبوك”، حدثنا عن دلالة هذه العبارة؟
  • حتى يكون القارئ الكريم في الصورة، أنا لم أكتب الكتاب من العدم إنما أنا متخصص في تكنولوجيات الإعلام والاتصال أولا، ثم قضيت أكثر من ست سنوات ونصف في عملية تنقيبية وتمحيصية حتى وصلت إلى الشكل النهائي لهذا الكتاب “جمهورية الفايسبوك”، لماذا قلت:”غريب هذا العالم نعيش في الواقع أسماء حقيقية ولكن بمشاعر مزيفة وفي الفايسبوك نعيش بأسماء مزيفة وبمشاعر حقيقية”، أردت أن أقول هذا بعد دراسة، لأن هذه المقولة جاءت في آخر المطاف، حيث عرفت بأن هذا المجال والفضاء الذي يقول فيه الجميع ويدعي أنه فضاء افتراضي خيالي مزيف، اتضح أن المشاعر فيه حقيقية، لأنه ترجمة لمشاعر وأحاسيس المشتركين بداخل هذا الموقع الذي هو الفايسبوك، يكفيني فقط أن أعطيك رقما مذهلا، اليوم في العالم المليار و400 مليون مشترك على موقع الفايسبوك، وفي الجزائر أيضا رقم مذهل: 23 مليون مشترك على موقع الفايسبوك، هذه الأرقام تتحدث عن نفسها يعني أصبحت جمهورية بذاتها، فالمشاعر في الحقيقة ترجمت إلى الخطأ كما يقال، لم تترجم بالشكل الحقيقي، المشاعر الحقيقة وجدتها في هذا الفضاء الافتراضي ولم أجدها في الواقع، فالتزييف والنفاق والكذب والخداع أصبح اليوم موضة العصر في المحيط الاجتماعي للمجتمع الجزائري، ولكن من يريد أن يترجم أو يقف على حقيقة المشاعر والأحاسيس لهؤلاء المرتدين لموقع الفايسبوك فما عليه إلا ولوج هذا العالم الافتراضي الأزرق.
  • كذلك وانطلاقا من نفس العبارة، هل يمكن أن نقول أننا وصلنا أو هل سنصل إلى أسماء حقيقية بمشاعر حقيقية في الواقع وفي الفايسبوك؟
  • أعتقد أننا نسير بخطى أسميها خطى إيجابية، لأنه في الحقيقة تغيرت الكثير من المفاهيم على المستوى المجتمعي، وبالتالي ممكن جدا أنه سيأتي يوم عن قريب، وهذا يبقى اعتقاد واستشراف مني، سنجد فيه مشاعر حقيقية بأسماء حقيقة، وأقول للقارئ الكريم أنه في سنة 2016، وحسب إدارة الفايسبوك أنه 83 بالمائة من الجزائريين المشتركين في الفايسبوك يستعملون أسماء مزيفة يعني بأسماء غير حقيقية، لكن اليوم تقلص هذا العدد وأصبح الكثير خاصة الشباب، وهم النسبة الكبيرة من المرتدين لهذا الموقع، أصبحوا يضعون أسماءهم، إذن هذه ترجمة لحقيقة المشاعر التي تسقط على الفايسبوك وعلى هذا الموقع الافتراضي.
  • شكرا لكم أستاذ، كلمتكم الأخيرة لقراء جريدة البصائر؟
  • نحيي القراء خاصة المواظبين على قراءة هذه الجريدة العريقة، البصائر في الحقيقة ليست جريدة بالنسبة لي، البصائر هي تاريخ، وقد اقترن اسمها بالعلامة الإمام عبد الحميد ابن باديس والبشير الإبراهيمي، وقد كتب فيها جملة من أهل العلم والأدب من الورثلاني إلى تبسي وأسماء كبيرة جدا كتبت في البصائر، خاصة مع بداية الثورة الجزائرية، البصائر كانت تقريبا النافذة الثانية التي اتخذتها جمعية العلماء المسلمين في العملية الإصلاحية، أنا البصائر أقرنها بنادي الترقي، إذا كان نادي الترقي هو اللبنة الأولى التي تشبع منها الجزائريون بالعلم الغزير الذي جاء به العلماء الجزائريون وعلى رأسهم ابن باديس الذي كان يقضي في حدود 18 ساعة وهو يعلم ويكوّن، جريدة البصائر جاءت لتتمة هذا العمل الذي بدأ به هذا التيار الإصلاحي ونفاخر به ومازال إلى اليوم يتبع نفس المنهج، أتمنى فقط من الدولة الجزائرية أن تعيد النظر في هاته الجمعية وخاصة في هذه الجريدة، لأنها من الجرائد الأولى في الوطن، جريدة البصائر هي جريدة غراء مثلها مثل جريدة المقاومة وجريدة المجاهد ولكن كانت إصلاحية وكانت موجهة ومرشدة للشباب الجزائريين والشعب الجزائري، ونحن نعلم كلنا أنه ما من ثورة تنجح إلا كان فيها عاملي الإصلاح والثورة يمشيان في خط واحد، وأيضا شكرا لكم على هذا الالتفاتة الطيبة وعلى هذا الحوار.

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com