قضايا و آراء

حول وفاة الرئيس المصري محمد مرسيكيف تفاعل عالمنا المتصدع، شعبا وحكومات، مع وفاة رئيس منتخب ديمقراطيا؟/ محمد مصطفى حابس

بعد أيام على وفاة الرئيس المصري المسجون محمد مرسي، شهدت عواصم ومدن العالم صلوات الغائب على روح الراحل، كما شهدت ساحات وشوارع مظاهرات تندد بظروف وفاته، إذ بعد صلاة الجمعة خرجت مظاهرات رُددت فيها هتافات تصف مرسي بالشهيد وتطالب بالتحقيق في ظروف وفاته، كما رُفعت لافتات تترحم على مرسي وتتوعد السيسي، وهتافات أخرى ضد خطة السلام المسماة بصفقة القرن، وتحدث خلال مسيرة جنيف وباريس نشطاء وخطباء وساسة من غير المسلمين عن سياسة الموت البطيء التي تعرض لها الرئيس مرسي في محبسه، وهو الرئيس المصري الوحيد الذي انتخب ديمقراطيا في مصر..

كما رفعوا بعد الصلاة صور الراحل منددين بالسلطات المصرية، وبوسائل إعلامهم التي غطت وفاة مرسي بشيء من التشفي واللامبالاة، دون حتى ذكر منصبه ورتبته  كرئيس أسبق لبلدهم، نفس الصمت من وسائل إعلام جل الدول العربية ألا من رحم ربك، بل فيهم من حادت عن الصواب، وبدأت تنتقد في الحركات الإسلامية عموما وبعض رموزها، متناسين ما جاء في الأثر ” اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ..”.

رغم ذلك، بقدر ما شكل خبر وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي فاجعة في قلوب مناصريه والمتعاطفين معه، إلا أنه أحيا الجدل القديم حول مستقبل مصر وأذكى الصراع بين معارضي الثورات وداعميها في العالم العربي،

 

كما صاحب الجدل فترة حكم مرسي واستمر حتى بعد وفاته وهذا ما ظهر جليا في التعليقات والتغريدات التي انقسمت حول ملابسات وفاته، وقد اشتد السجال بين أنصار مرسي الضحية ومؤيدي السيسي الانقلابي، ومن المغردين مَنْ طالب بفتح تحقيق دولي في ظروف وفاته ووصفها بـ “الاغتيال الطبي” في حين سخر آخرون من المشككين في البيان الحكومي المصري، بل أجزم آخرون أن القتل كان متعمدا ومقصودا، علما أن الأقدار بيد الواحد القهار.. كما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات الرثاء والتعازي لعائلة مرسي من شخصيات عربية ودولية بارزة، من جهة أخرى شارك سياسيون ومثقفون مصريون بمختلف توجهاتهم السياسية في تأبينه، مؤكدين على ظاهرة الإهمال الطبي للرئيس المغدور، وسياسات الموت البطيء المنتهجة في حقه عبر السجن الانفرادي والانعزالي، جميعها أدوات للقتل العمد. كما نددت منظمات إنسانية في سويسرا  بقولها:” اتفقوا واختلفوا ما شئتم سياسياً مع الدكتور محمد مرسى، لكن ما تعرض له إنسانياً منذ القبض عليه ووضعه في هذه الظروف التي انتهت بوفاته على هذا النحو هي جرائم تستحق المحاكمة والعقاب”. من جهتها قالت منظمات حقوقية في جنيف أنه رغم أن خبر موت مرسي أحدث صدمة بين محبيه، إلا أنهم اعتبروها نهاية حتمية في “إشارة إلى ظروف السجن القاسية التي تعرض لها”، بحسب تعبيرهم.

أما منظمة “هيومن رايتس ووتش” أنحت باللائمة فيما حدث على الحكومة المصرية والأجهزة الأمنية بتعمد إهمال مرسي صحيا

وقارنت حقوقية مصرية، من جهة أخرى، بين الرعاية الصحية التي كان يحظى بها  الرئيس مرسي والرئيس محمد حسني مبارك مناشدة المنظمات الحقوقية التدخل لإجراء تحقيق شفاف، أملا في الوقت ذاته في أن تسهم وفاة مرسي في “حل ملفات المساجين السياسيين في مصر”.

في حين عاب نشطاء على الحكومات الغربية المؤثرة صمتها إزاء وفاة مرسي، قائلين إن “الحدث فضح زيف شعاراتها الصادحة بالحرية والمتبجحة بالديمقراطية”.

من جانبها، وصفت الهيئة العامة للاستعلامات تغريدات رئيسة قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” سارة واتسون، حول وفاة محمد مرسي بـ”السقطة الجديدة” للمنظمة، وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد حملت الحكومة المصرية مسؤولية وفاة مرسي نظرا لفشلها في توفير الرعاية الطبية الكافية له وللسجناء السياسيين.

وأشار نشطاء ومدونون إلى أن إرهاصات ثورة 25 يناير لن تنتهي بموت محمد مرسي، قائلين إن “وفاته ستعزز رغبة المصريين خصوصا والشعوب العربية عموما في السير قدما نحو تحقيق الديمقراطية”، وفق قول بعضم.

أما مؤسسة السننية للدراسات الحضارية، فقد نعت المرحوم بقولها: أن الدكتور محمد مرسي بثباته على مبادئه، ومصابرته للمحنة التي مر بها، يعد بحق شهيدا للديمقراطية بكل ما تعنيه من تمكين للمجتمع من حريته وحقوقه والمحافظة على مصالحه، فقد رضي مرسي بكل تبعات المحنة من أجل أن يعيش المجتمع المصري في شرعية سياسية حقيقية، فأكرمه الله تعالى بأن يموت هذه الموتة الشريفة داخل المحكمة، وهو يدافع عن الشرعية، كما قطع ذلك على نفسه، ولو مات في السجن للفقت له تهمة الانتحار.

ولكن حكمة الله تعالى البالغة، اقتضت أن يموت وهو يرافع عن قضية الحرية والعدالة والعيش الكريم، وكما قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}، وقال سبحانه:{ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ}، خاتمة بيانها بقولها:” إن وفاته بهذه الطريقة، وفي هذا المكان، حررته وسجنت سجانيه، ووضعت المسئولية على كاهل المجتمع كله، فقد سلمها الأمانة ولم يفرط فيها، ودفع حياته ثمنا لها كما قال فعلا.

وسيكون شهيدا على كل من يخون أمانة تحقيق الحرية والعدالة والعيش الكريم للمجتمع”، على حد تعبير بيان السننية..”.

أما نحن فلا يسعنا إلا القول، بأن الموت حق، وأن الموت كأس وكل الناس شاربه، أو كما قال الشاعر زهير بن أبي سلمة:” كلّ ابن انثى وإن طالت سلامته … يوما على آلة حدباء محمول”  فالشهيد محمد مرسي يموت، بل ويترجل ويرحل بشرف دون أن يساوم على مبادئه وقناعاته، كما يرحل الكبار شأنه في ذلك شأن عظماء هذه الأمة، رحل الرئيس المنتخب وهو قابضا على الجمر مستمسكا بموقفه وبكلمة الحق، أكيد أن اسمه سيكتب بحروف من ذهب وسيخلد في صفحات تاريخ العرب والمسلمين أكبر من اسم جلاده وسجانه، إذ مهما اختلفنا مع “الاخوان” في طريقة تفكيرهم أو تدبيرهم للتجربة السياسية في مصر خاصة، لا ننسى أن محمد مرسي جاء عن طريق انتخابات شرعية وفاز ديمقراطيا على معارضيه، وقد كان من المفروض أن يغادر بانتخابات أيضا مماثلة تطيح به وببرنامج حزبه، ويبقى أن يعترف القاصي والداني أن إخوان مصر لم يركبوا دبابة العسكر للوصول للسلطة أو البقاء فيها ولم يرحبوا بالعسكر ودبابته كما فعل بعض المنتسبين للإخوان في دول عربية أخرى في العقود الأخيرة منها الجزائر، مخافة على مكاسب دنيوية تافهة أو جريا وراء مناصب ليست من حقهم أو اللهث وراء السراب المادي للاعتلاف المادي، قائلين لنا أن الشيخ أو الحركة لها خطة، وهم ينهلون بنهم مع الانقلابيين من المال العفن في معسكر الانتهازية مع بعض الرعاع الذين باعوا ضمائرهم في سوق الخسة والنذالة، لا علينا،  فأسماؤهم اليوم معروفة ومتداولة بين الناس، ولله في خلقه شؤون.. .

ختاما هناك حقيقة سنة التداول بين الأجيال،  فإن كانت اأجيال العربية والإسلامية عموما الحالية قد تحملت فاتورة الانقلابات على المبادئ وعلى أصحاب الشرعية في عقود خلت، فإن الأجيال القادمة قد يكون لها رأي آخر ومواقف أخرى أكثر شجاعة من أسلافهم، وهذا الذي نعيش بعض فصوله في تجربة الحراك الجزائري هذه الأشهر الأخيرة والذي يبشر بخير لا محالة، إن لم تخترق صفوفه عصابات مافيا العقائد المزيفة في إضرام نيران  الصراعات الهامشية المفتعلة أو المفبركة، والله ناصر عباده المخلصين ولو بعد حين.. والحمد لله ربي العالمين.

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com