استدراكات على احتفالية التكريم/ بقلم: حسن خليفة
أحب أن أسجل ـ مرة أخرى ـ بعض ملاحظات وسوانح حول الفعالية الأخيرة التي أقامتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بحر الأسبوع الماضي (الأربعاء 3 شوال 1438هـ، 26 جويلية2017م) وكان محل التكريم والتقدير علمان من أعلام هذه البلاد ا لمسلمة، واللذين اجتهدا في خدمة الدين والوطن، على مدار عقود طويلات، بالتدريس والمحاضرة والمشاركات المختلفة، وبالكتابة والبحث والتنقيب والنشر، وقد يسّر الله تعالى لهما ـولغيرهماـ ذلك، فلم يترددا ولم يبخلا، بخلاف كثيرين ـ للأسف ـ انطووا وانكفأوا على ذواتهم، وغابوا عن الميدان وحوّلوا اهتماماتهم وهمومهم إلى ميادين أخرى. ومن هنا في واقع الأمر أريد الانطلاق في تسجيل الملاحظات الخاصة بالتكريم:
أـ الملاحظة الأولى الأساسية هي وفرة المثقفين والدعاة، ولكن حين تعدّهم لا تجد إلا القليل وربما أقل من القليل، من أمثال الشيخين الأستاذين المكرّمين محمد الهادي الحسني والشيخ الدكتور محمد ناصر، ثبّت الله أجرهما.
نعلم جميعا أن هناك كثرة كاثرة من أهل العلم، بل وأهل الاختصاص، والأساتذة وأصحاب المقامات في مختلف ميادين العلوم والآداب والدعوة، ولكن ما يلاحظ على الساحة هو انكفاؤهم وغيابهم شبه الكلي. وربما هؤلاء هم من قصدهم الشيخ الغزالي بقوله في كتابه “الإسلام والطاقات المعطلة”.
ويقينا لو انخرط هؤلاء على أي نحو كان، وبما في مقدورهم، لما كانت الحال هي الحال، في ميدان الإصلاح والدعوة والتربية والعلم. فهل من مطمح في البحث عن حلول لهذه المعضلة؟
ب ـ أريد التأكيد مرة أخرى على أن هذا التكريم هو فكرة بعض أهل الفضل والنظر، والجمعية كانت جزءا من القائمين على التكريم، وذلك لتأكيد حقيقة ينبغي أن تنغرس في الأذهان وهو أن مثل هذا التكريم، حتى يكون تكريما حقيقيا ووازنا، ينبغي أن يكون تكريما مجتمعيا، أي منبثقا من صفوف المجتمع الأصيل، وليس ذلك بالشيء الغريب على مجتمعنا الجزائري السخيّ الكريم المتفاعل مع الخير والفضل المحب للعلم والمقدر للعلماء.
وأتصور أن مثل هذا الأمر لو ترسّخ في واقعنا واهتممنا في كل المناطق بتكريم أعلامنا وعلمائنا وخبرائنا وأهل الفضل فينا، لحقق المجتمع ـ بذلك ـ قفزة رائعة في مجال تقدير العلم والعلماء، وإعادة الأمور إلى نصابها في هذا المجال؛ حيث يلاحظ غياب مثل هذا السلوك بهذه الصيغة الماجدة الشاملة التي تمس أكبر قطاع مجتمعي، كما لاحظنا ذلك في احتفالية الأربعاء الماضية.
ج ـ عندما نلاحظ ذلك التنوع الكبير في الأطياف التي حضرت، وبعض منها خارج الجمعية، ولكنها تحتفظ بصلات وثقة مع الجمعية، سواء كانت صلات عملية تتعاون مع الجمعية في برامجها وأعمالها، أو صلة أخوية فكرية، تتوافق مع الجمعية في الطروحات والغايات والأهداف، وإن اختلفت السبل والمناهج، في بعض الأحيان عندما نلاحظ ذلك نوقن أن الجمعية خيمة جامعة لكل الأطياف والتوجهات والأفكار، وهذا عامل حاسم في مجال تحقيق الاتفاق والتوافق، وما أكثر ما نحتاج إلى التوافق فيه.
د ـ نسجل بكل أسف تأخر الحضور الرسمي، وقد وُجهت الدعوة إلى كثير من الرسميين من الوزراء والمسؤولين الحاليين والسابقين، وليس ذلك إلا لتأكيد منظور الجمعية في الاجتماع على الخيرات والعمل في ترسيخ وتوطين الأعمال والأفكار الصالحات، فكلما كان هناك فعل ثقافي أو ديني أو فكري مما تقوم به الجمعية إلا وضعت في حسابها مكوّنات المجتمع رسميا وشعبيا ومجتمعيا، فتراسل وتدعو. وما يزال هذا نهج الجمعية ينبغي أن يُفهم في إطاره الصحيح وهو أن الجمعية جامعة وليست مفرقة، وما تزال الجمعية تقترب من كل الأطراف في سبيل إيجاد صيغة جامعة في مجال الدعوة إلى الله والإصلاح ومن ذلك سعيها في الدعوة إلى أسبوع سنوي للدعوة والأخلاق يجمع كل الأطراف والمكوّنات المجتمعية التي تريد تحقيق نهضة أخلاقية للمجتمع الجزائري، وسنشرح ذلك في حينه.
د ـ مما يؤسف له غياب ملحوظ للجمعيات الفاعلة في وطننا، وقد وجهت الدعوة هذه المرة وفي المرات السابقة لكثير منها، على سبيل المشاركة في الخير ودعم هذا الملمح في التعاون على تقدير رموز الوطن وأعلامه؛ خاصة من هم (الشخصيات) محل إجماع أو شبه إجماع في المجتمع، كما نأمل أن يكون ذلك مما نحرص عليه جميعا في المستقبل.
وفي الأخير نشير إلى أنه بالرغم من أن هذه الفعالية، جاءت على عجل وفي سياق تميز بكثرة الأعمال ووفرة الأنشطة، قد حققت الكثير من الخير، كما نأمل أن يُترجم في شكل برامج تقرّبنا من الغايات وأهمها طلب رضوان الله تعالى، والسعي لخدمة دينه بخدمة العلماء وتكريم أهل الفضل والإحسان، وما يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل.