جامع الجزائر الرمز/أ. التهامي مجوري

تحدث وزير السكن في مطلع الأسبوع الماضي عن إمكانية تسليم “جامع الجزائر” قبل نهاية السنة، بعد لغط كثير عن تأخر الأعمال التي تسببت فيها الشركة الصينية القائمة عليه، وهذا إن تحقق فهو يعتبر إنجازا مهما لسببين، ليسا بعيدين عن الصراع القائم بين العصب المتنفذة، حول بناء المسجد نفسه.
فأما أولهما: أن بناء هذا المسجد ليس كبناء أي مسجد في البلاد، وإنما يحمل من الخصوصيات ما ليس لغيره من المساجد.
وأما ثانيهما: فهو قوة الجهة المقاومة لبناء هذا المسجد منذ وضع حجره الأساس، بحيث لم تتوقف العراقيل مذ ذلك الوقت إلى اليوم، وآخر هذه العراقيل، قصة الشركة الصينية وتأخرها في الإنجاز!! بينما المعروف عند كل الجزائريين أن الصينيين بشكل عام لا يتأخرون في إنجازاتهم، إلا عندما توضع لهم عراقيل، وما أكثرها عند من لا يريد لهذا الصرح أن يقام. وفي تقديري لولا إصرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على إنجاز هذا المسجد لما تحرك؛ لن المشروع قديم، وكان منذ عهد الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله، ولكن الأزمات المتتالية التي شهدتها البلاد وانشغال السلطة عنه، لا سيما أن الصوت الغالب خلال سنوات التسعينيات كان التضييق على المسجد، باعتباره هو مصدر الإرهابيين، وقد كانت في فترة من الفترات تهدم المساجد والمصليات بموافقة من وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
وأهمية بناء هذا الصرح، التي لم ينتبه إليها المجتمع، وسيكتشفها بعد الإنجاز، لها جملة من الدلالات الحضارية الثقافية الدينية الاقتصادية منها:
- أن المسجد في موقع، يكشف من خلاله هوية الجزائر، فهو في “بوابة العاصمة” من الجهة الشرقية، والأهم من ذلك أنه في طريق المطار، فكل قادم للجزائر من زوارها، وخاصة الرسميين منهم، لا بد من أن يمروا عليه. والملاحظ قبل اليوم أن الزائر للجزائر لا يعرف لها هوية، إلا عندما يتوغل إلى وسط العاصمة ليصل إلى ساحة الشهداء ليتعرف على الجامع الكبير والجامع الجديد وبنايات القصبة المغايرة للهندسة الفرنسية. أما قبل ذلك فلا يرى إلا نمط الهندسة المعمارية الغربية التي ذابت فيها الخصوصية الجزائرية بجميع أبعادها العربية الإسلامية الأمازيغية.
- يكاد المسجد يُرى من جميع الجهات أو تُرى منارته، وذلك مساعد على إبراز الهوية الإسلامية التي ظلت تعاني صراع التغييب المتعمد، شأنه في ذلك شأن نزل الأوراسي الذي أريد له أن يكون معلما يحمل إسم “الأوراس” المعبر عن اندلاع الثورة الجزائرية، وقد ثارت ثائرة المعرقلين يومها، وأشاعوا أنه بني على “مرجة” وأن المهندس المكلف مصري لا يفهم كثيرا في نوعية الأرض الجزائرية.. وأرادوا أن يتولى الأمر مكتب فرنسي.
- المسجد أقيم إلى جانب مركب سياحي ضخم، ووجود مسجد بهذا الحجم وهذه المكانة في هذا الموقع السياحي، يضيف قيمة سياحة وجمالية وأخلاقية على المركب برمته، لا سيما والجزائر مقبلة على تحولات هامة ربما تجعلها من أهم المواقع السياحية في المنطقة.
- يذكر الجزائريون ما أثير من لغط وكلام كثير حول بناء هذا المسجد، كلام كاد يتحول إلى استياء شعبي، لا لشيء إلا لأن بعضا مِن مَن لا يحبون المساجد في السلطة وخارجها، لم يريدوا أن يبنى، بل يذكر أن بعضا من في السلطة لم يكن مرحبا بإنجاز هذا المسجد، وقد انعكس هذا الموقف السلبي على أحاديث المجتمع، حيث أشيع يومها –في بدايات المشروع- أن بناء هذا المسجد تبذير وتبديد للمال العام، فالجزائر ليست في حاجة إلى بناء المساجد. فالمساجد كثيرة، وإنما هي في حاجة إلى مستشفيات، وقد استشرت هذه الفكرة في أوساط الناس، ويبدو أن ما ساعدها على الانتشار هو الموقف الشعبي المبدئي من السلطة.. فكل ما يأتي منها مرفوض!!
المناهضون لمسجد الجزائر أشاعوا في الناس أن حاجة الجزائر هي المستشفيات وليس المساجد، وأضافوا أن بناء هذا المسجد تبذير وتبديد للمال العام، وتجاهل القوم ولم ينتبه الذين صدقوا هذه الفرية من الشعب، أن التبذير الحقيقي في الملايير التي تسرق ما خزينة الدولة، والعملات التي يتقاضاها بعض المكلفين بتسيير الشأن العام في البلاد والصفقات المشبوهة، والفواتير المضخمة، والملايير التي تحول للفانين والفنانات، والمبرامج التخريبية الممنهجة التي غزت الأراضي الزراعية، وقبل كل ذلك وبعده عدم محاسبة الذين فشلوا في برامجهم ولم يحاسبوا، ذلك هو التبذير والتخريب، وليس بناء المساجد. لنفترض جدلا أن الجزائر ليست في حاجة لبناء المساجد، أليس من حق الدولة الجزائرية أن يكون لها مسجدا رمزا يعبر عن هويتها في العالم، ومعلما ترى فيه شخصية الجزائر التي أريد لها أن تكون فرنسا.. ولم تكن؟