في رحاب السنة

هذا النبي صلى الله عليه وسلم محمد كيف لا يُحبّ؟!/ نور الدين رزيق

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنت على جمل ثَفالٍ، إنما هو في آخر القوم، فمرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (من هذا؟) قلتُ: جابر بن عبد الله، قال: (ما لكَ؟) قلتُ: إني على جملٍ ثفالٍ، قال: (أمعكَ قضيبٌ؟) قلت: نعم، قال: (أعطِنيه)، فأعطيته فضربهُ فزجرهُ، فكان من ذلك المكان من أوّل القوم.

قال: (بعْنيهِ)، قلتُ: بل هوَ لكَ يا رسول الله، قال: (بل بعْنيهِ، قد أخذتُهُ بأربعة دنانير، ولكَ ظهرُهُ إلى المدينة)، فلما دَنونا من المدينة أخذتُ أرتحلُ، قال: (أين تُريد؟) قلتُ: تزوّجتُ امرأةً قد خلا منها، قال: (فهلّا جاريةً تُلاعبُها وتُلاعبك؟) قلتُ: إنّ أبي تُوفّي، وترك بناتٍ، فأردتُ أن أنكِحَ امرأةً قد جرَّبَتْ خلا منها، قال: فذلك. فلما قدِمنا المدينة قال: يا بلالُ اقضِهِ وزِدْهُ، فأعطاه أربعة دنانير، وزادهُ قيراطاً، قال جابر: لا تُفارقني زيادةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يَكُنِ القيراطُ يُفارقُ جِرابَ جابر بن عبد الله”.

فوائد الحديث:

  • قول جابر: فأعطيته (القضيب) فضربهُ فزجرهُ: الرقية الشرعية لدابة وللدار ولابن آدم: قصة ضماد بن ثعلبة قدم مكة فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمداً مجنون. فقال: لو رأيت هذا الرجل لعل الله أن يشفيه على يدي. فلقيه فقال: يا محمد إني أرقي من هذه الريح وإن الله يشفي على يدي من شاء فهل لك فقال النبي : “إن الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله. أما بعد…”. فقال: أعد علي كلماتك هؤلاء. فأعادهن النبي ثلاثاً فقال: والله لقد سمعت قول الكهنة وسمعت قول السحرة وسمعت قول الشعراء فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات، والله لقد بلغت ناعوس البحر فمد يدك أبايعك على الإسلام، فمد النبي يده فبايعه. فقال النبي : “وعلى قومك”، فقال: وعلى قومي. قال: فبعث رسول الله سرية فمروا بقومه فقال صاحب السرية للجيش: هل أصبتم من هؤلاء شيئاً؟ أعزم على رجل أصاب شيئاً من أهل هذه الأرض إلا رده. فقال رجل منهم: أصبت مطهرة. فقال ارددها؛ إن هؤلاء قوم ضماد.
  • بعنيه يا جابر (أي الجمل) فقال جابر بل هو لك (هدية) فقال صلى الله عليه وسلم: “بل بعنيه بأربع دنانير” فقبل جابر: اشترط ظهره للمدينة، وأورده أيضاً في الكتاب السابق، باب “حُسن القضاء” وأورد فيه وزاده من حديث جابر، فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى جابراً ثمن جمله، وزاده بعض المال، وهذا من حُسن القضاء (ورقمه 2394)، قال صلى الله عليه وسلم: “خيار الناس أحسنهم قضاء”صحيح مسلم.
  • لما دنونا من المدينة أسرعت، فقال صلى الله عليه وسلم: “إلى أين يا جابر” قال تزوجت يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: “ثيب أو بكر؟” قال جابر: “ثيب يا رسول الله” فقال صلى الله عليه وسلم: “ألا بكر تداعبها وتداعبك وتلاعبها وتلاعبك” وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يُرغب الزواج بالأبكار حتى لا تكون العنوسة في المجتمع حيث اليوم، انتقل سن الزواج من 18-19-20 إلى ثلاثين وأربعين، طبعا لأن منظومتنا التشريعية أصبحت تشجع على العنوسة، أضف إلى ذلك الشباب لابد له من مهر وسكن حتى يتحقق هذا لابد له من منصب عمل، والعمل لابد له من نشاط اقتصادي وتجاري.
  • جابر بن عبد الله تزوج امرأة ثيب لماذا؟ قال جابر: “يا رسول الله إن عبد الله بن عمرو بن حرام لما حضر أحد دعاني من الليل فقال: “ما أُراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب رسول الله، وإني لا أترك أحد أعز علي منك بعد نفس رسول الله، وإن علي دينا فأقض عني واستوصي بأخواتك خيرا، فأصبحنا فكان أول قتيل” رواه البخاري وأبو داود.

عن طلحة بن فراش قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لما قتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد فقال صلى الله عليه وسلم: يا جابر ألا أخبرك ما قال عز وجل لأبيك؟ فقلت: بلى، قال صلى الله عليه وسلم: “ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب وكلم أباك كفاحا” الترمذي وابن ماجه، فيه دلالة أن الشهداء أحياء عند الله عز وجل.

عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهم أكثر أخذا للقرآن؟ فإذا أشير له إلى أحد قدّمه في اللحد”البخاري.

قال ابن حجر العسقلاني (فتح الباري): جواز تكفين الرجلين في ثوب واحد لأجل الضرورة إما يجمعهما فيه وإما بتغطية بينهما، وجواز دفن اثنين في لحد وعلى استحباب تقديم أفضلهما لداخل اللحد.

قال جابر: كان أبي أول قتيل ودفن معه عمرو بن الجموح في قبر ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع الآخر فاستخرجته بعد ستة أشهر فإذا هو كيوم وضعته هنيّة (لم يتغير) غير أذنه” رواه البخاري.

فزواج جابر من هذه المرأة الثيب غايتها تحقيق وصية الأب وحفاظا على الأسرة لأنها امرأة سبق لها الزواج فهي بمثابة الأم في تربية الأخوات.

اليوم زوجة الأب أول عمل تقوم به هو تشريد أولاده وبناته بافتعال المشاكل حتى يطردون من البيت انظروا فاسألوا الأولاد والبنات التي يبتن في العراء في الشوارع، العاصمة، والمدن الكبرى: أليس مواقف زوجة الأب؟! ولكن في الحقيقة خطأ الأب: الخطأ الأول من الأب المسؤول صاحب القوامة والعصمة فإذا نزعت منه القوامة والعصمة اختل توازن الأسرة، النواة الأولى للمجتمع، لا يمكن أبدا أن تنافس المرأة الرجل في هذا الباب لأن المرأة تحكمها العاطفة والحنان هكذا خلقها الله تعالى.

  • لما دخلا المدينة دخل صلى الله عليه وسلم المسجد وصلى ركعتين ثم أمر بلال أن يناديني فلما دخلت المسجد أمرني بصلاة ركعتين:
  • ركعتي القدوم من السفر.
  • وكان صلى الله عليه وسلم إذا أطال السفر ألا يدخل ويطرق أهله بالليل.

فأمر بلال أن يعطيني 4 دنانير وزادني قيراط وفيه:

  • جواز زيادة المشتري البائع في الثمن برضاه بغير التزام سابق.
  • عند الدفع يجوز حسن القضاء حتى في القرض. قال صلى الله عليه وسلم: “خيار الناس أحسنهم قضاء” أبو داود.
  • فأخذت الدنانير وتركت الجمل فناديني بلال: لم يكن شيء أبغض إلي منه، حيث خشية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاد في البيع.

فلما أتيته قال صلى الله عليه وسلم: خذ الجمل ولك ثمنه، قصد تسديد الدين الذي تركه أبوه، وفيه اهتمام بأبناء الشهداء والمجاهدين حتى لا يكون عالة على المجتمع.

إن حب الصحابة لنبيهم صلى الله عليه وسلم مرده مثل هذه المعاملات والمواقف منه صلى الله عليه وسلم إنه يهتم بأمر الرعية ويعيش آلامهم وحاجياتها، فيقضي الدين عن المدين ويرفع الغبن عن المحتاج فلنعم هذا النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال تعالى فيه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾القلم/04.

لا يوجد على وجه هذه البسيطة مسؤول بدرجة من مثل هذه المسؤولية وهذا الخلق الرفيع.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com