جمعية العلماء في مواجهة العراك المضاد/ أ. د.عبد الرزاق قسوم
سقطت الأقنعة، فأبانت الغربان عن طبيعتها الكريهة المظهر، والمخبر، وأخذت تنعت حقدها الأسود الدفين، وترسل بنعيقها النشاز الهجين.
ويحهم! أكل هذا، لأن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كانت، ولا تزال ترابط على ثغور الدفاع عن الهوية، وتتصدى- بثبات وشجاعة – لكل من تسول له نفسه، المساس بمقومات الشخصية والسيادة الوطنية؟
ألم يستخلصوا من التاريخ دروسه البليغة وعواقبه الشنيعة؟
ألم يكفهم ما لقيه مسيلمة الكذاب بسبب افترائه على القرآن والفئة المؤمنة؟
وما قامت به مختلف الجمعيات الضِرار التي أسست هنا وهناك، للتشويش على جمعية العلماء، منذ ابن باديس إلى عهد المقاومين للتغريب، والإستئصال، والعلمانية التي أصبحت موضة لكل من أفلس فكريا، وضاق بالإسلام، والإصلاح، وتقديم الإسلام بالبرهان.
وآخر هذه المحاولات البئيسة، إنشاء جمعية علماء ضرار، متخصصة في السب، والثلب، والتشنع على علماء الجمعية المؤسسين كالإمام ابن باديس، والإمام الإبراهيمي، والإمام العربي التبسي وباقي اخوانهم.
ويلهم! أبلغت النذالة، والحقارة بهم إلى حد تشويه النصوص، والتمكين للصوص، وطمس كل معالم الجمعية وما تملكه من كنوز وفصوص؟
حسب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين – ماضيا وحاضرا – أنها تقدمت الصفوف في معركة تحصين الذات للشعب الجزائري ضد محاولات الغزو، والتجنيس، ومحو الشخصية، ويكفيها فخرا أنها عملت على هدم بيت العنكبوت على ساكنيه، هذا البيت المصنوع، من الجمود والعمالة، والظلم والجهل، وهاهي تتصدى اليوم لدعاة الإدماج الثقافي، والإنسلاب الفكري، وإبعاد الشعب الجزائري، عن أصالته وحضارته، ومقومات سيادته.
فقد كانت جمعيتنا – في طليعة – من تصدى لمحاولة إفراغ المنظومة التربوية من مضمونها وتغريب المحيط، بدل تعريبه، وفصل الأمازيغية عن بعدها الحضاري العربي الإسلامي، ومعركة الفساد الإقتصادي، الخ، ونصوصنا خير شاهد على ذلك.
ولسنا هنا، في مستوى التبرير، فلسنا نعاني من عقدة إتهام، ولكننا نحتكم إلى التاريخ، وهو خير شاهد على أقوالنا وأعمالنا، والحقيقة أننا ما كنا، نعتقد أن يصل الخبث، والحقد، والسذاجة بالبعض إلى الحد الذي تسول لهم أنفسهم، إنشاء جمعية ” طيوان ” لتحل محل الجمعية الحقيقية وحالهم تشبه ناطح صخرة ليوهنها.
فقد سبقت هذه القرصنة مقدمات فاسدة، تمثلت في التشويش علينا بالتعاليق المغرضة، والتنقيص من جهد الجمعية ووصل الحد إلى حذف صفحة الجمعية الإلكترونية وغيرها واعتبرنا كل هذا ضريبة النجاح وإذا علمنا مصدره، فإن ذلك مما يزيدنا اطمئنانا، وثقة في انفسنا.
غير أن ما حز في قلوبنا، وما تفاجئنا به هو أن يلجأ بعض من كنا نعدهم من الأخيار، أما عن غفله الصالحين، أو عن جهل بحقائق الأمور، أن يلجأ هؤلاء، وهم إخوة نعدهم في خندقنا، إلى أن يصبو الزيت في طاحونة الحاقدين المغرضين، فيجرؤ أحدهم على القول ” لماذا لا تحل جمعية العلماء نفسها؟ لتريح وتستريح؟ لم لا تطلق على رأسها بيدها رصاصة الرحمة – إذ لم يعد هناك مبرر لوجودها؟”.
كبرت كلمة تكتبها أقلامهم، وتخرج من أفواههم.
ففي الوقت الذي يعلق شعبنا الجزائري على الجمعية آمالا كبارا، في المساهمة في ترشيد الحراك الشعبي، والمساعدة على إرساء قواعد أساسية للخروج من الأزمة، يشد البعض في المطالبة في حل جمعية العلماء كي تريح أعدائها من مقاوميها لهم، وتستريح هي أيضا من ظلم ذوي القربى فهل يعقل أن يجتمع حلفاء الجمعية وأعداؤها على المطالبة بحل الجمعية، هذا الإرث التاريخي العظيم، فيفسحوا المجال للحاقدين والمعادين والمفسدين، الذين يخلو لهم الجو كي يعيثو فسادا في جزائر، بدون جمعية العلماء.
لقد كنا – يشهد الله – ننتظر من إخواننا الذين نلتقي معهم في خندق الإصلاح والمقاومة أن يسوقوا مثلا، واحدا، لو وجد، من إنحراف الجمعية عن خطها الأصيل، وإصطفافها مع الخط الإستئصالي، الفرنسي، سواء من سلوكنا، أو مواقفنا، أو نصوص كتاباتنا؟ غير أن ماراعنا، هو اطلاق أحكام جزاف ما أبعد جمعية العلماء عنها.
وإستغل بعض المصطادين في الماء العكر مثل هذا الحكم، فأطلقوا العنان لأحقادهم الدفينة، من أن جمعية العلماء تحولت إلى جمعية مكاسب مادية، ومصالح شخصية وليت قومي يعلمون!
إن جمعية العلماء قد قسى عليها النظام فجردها أبسط حقوقها في الحصول على ميزانية من المال العام، وعلى مقر لائق بها أسوة بالمؤسسات الدينية كالزوايا، أو المؤسسات السياسية كالأحزاب، وذلك ما يسجل بمداد الفخر للقائمين على الجمعية أنهم يقومون بكل الجهود، تطوعا، وفي معظم الأحيان يقدمون العون من جيوبهم، فأين كل هذا من التهم المغرضة، التي لا أساس لها من الصحة.
ويقول المغرضون، بأن الجمعية استولى عليها المتصوفة؟ فما مدى صحة هذا؟ ومتى كان التصوف وهو قيمة إسلامية، أخلاقية سامية، متى كان تهمة، أو سبّة يعبّر بها من يمارسها؟
اللهم إننا نبرؤ إليك مما يفعله بعض المحسوبين على الإسلام، من هدم لمؤسساته بإسم الدفاع عن الإسلام.
فيا قومنا!
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والتي تقدم كأم الجمعيات، وكخير جمعية أخرجت للناس تعمل في صمت، وفي ثبات لإرساء قواعد الإسلام الصحيح والذي هو كفيل بإنهاض أمتنا، وتحصينها ضد كل الآفات الداخلية والخارجية، وقد نجحت جمعية العلماء، في إثبات حضورها في كل ولايات الوطن، وهي تبني المدارس كمغارس للشباب الجزائري، وهي تسهم في الحراك الشعبي بكيفية عميقة، وهي الرقم الذي لا يمكن تجاهله في الساحة الوطنية فلئن سطا على الجمعية، بعض المكلفين بالمهام القدرة، ولو تمكنوا من إختراقها أو السطو عليها، ونحن عصبة، إنّا إذن لخاسرون.
” وفي الصباح يحمد القوم السرى”.