وراء الأحداث

مبادرات وطنية لصد محاولات تحريف الحراك الشعبي/عبد الحميد عبدوس

من المقلق أن تلوح في الأفق نذر تحول في مسار حالة التفاهم والتناغم التي تم بناؤها بين جماهير الحراك الشعبي وقيادة المؤسسة العسكرية طوال أسابيع متوالية من عمر انتفاضة فيفري 2019 ضد نظام الاستبداد والفساد الذي أقامه الرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة لمدة عشريتين كاملتين، هذا التناغم الذي تحقق بفضل الروح النوفمبرية لقيادة المؤسسة العسكرية والاحترافية العالية للقوات الأمنية مما ضمن الحفاظ على سلمية الحراك، رغم محاولات اختراقه وتفجيره وإحداث الصدام، تلك المحاولات الآثمة التي وصلت إلى حد الاعتداء على عناصر من الشرطة بالأسلحة البيضاء من طرف بعض العناصر التخريبية المدسوسة وسط جموع المتظاهرين السلميين الذين يشكلون أغلبية المشاركين في الحراك الشعبي.

وبمرور الأيام  تزداد حالة التعنت والعناد في صفوف أذيال وأبواق القوى غير الدستورية وعصابة المال الفاسد لتحقيق مخططاتها الشيطانية قصد الوصول بالبلاد إلى حالة الانسداد السياسي والفراغ الدستوري من خلال رفض وتشويه كل مقترحات معالجة الأزمة السياسية التي تقدمت بها قيادة المؤسسة العسكرية منذ الدعوة إلى تفعيل المادة 102 من الدستور..

والمفارقة أن الشخصيات والقوى السياسية التي كانت تستنجد بالجيش وتلح في دعوته للتدخل في الحياة السياسية في فترة التسعينيات من القرن الماضي، عندما كانت قيادة الجيش خاضعة لضباط فرنسا ، الذين ورطوا الجيش في مواجهة الشعب والوقوف ضد خياره الانتخابي، وإقحامه في تنفيذ سياسة نشر استراتيجية الرعب التي أعلن عنها رئيس الحكومة الأسبق الراحل رضا مالك، هذه القوى السياسية والشخصيات ذات الماضي الاستئصالي ترفع عقيرتها اليوم بالدعوة لإبعاد الجيش عن مرافقة الحراك وحمايته من المخططات الخارجية للإيقاع به في مستنقع الفوضى والفتنة، كما أن الأبواق الإعلامية والميليشيات الإيديولوجية لتحالف القوى غير الدستورية وعصابة المال الفاسد هي التي تصور بأن الحراك يطالب بتنحية الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، وتنشر عبر قنوات تلفزيونية ممولة بالمال الفاسد منذ الجمعتين الفارطتين بعض الصيحات والشعارات الناشزة لمجموعات قليلة وشاذة وسط الحراك الشعبي  تطالب برحيل المجاهد الفريق أحمد قايد صالح مع رموز النظام السابق، لخلق الانطباع بحدوث حالة من انفراط الثقة بين الحراك الشعبي وقيادة المؤسسة العسكرية التي برهنت حتى الآن أن الجيش قد استرجع احترام الشعب ومكانته الجديرة بالتقدير والإعزاز.

ويبدو واضحا أن العصابة التي تعرضت إلى نكسة مؤلمة مع وضع بعض رؤوسها ورموزها وخدامها في السجون، ما زالت تتحرك بخبث وإصرار وضراوة، وتسعى عن طريق تضليل الرأي العام وتغليط الجماهير بكل ما تملك من دكاكين سياسية وأبواق إعلامية وشبكات اتصالية وعلاقات دولية لقلب الأوضاع وإنقاذ ما بقي لها من مصالح ونفوذ، قبل أن تتفرغ للانتقام من الشعب الذي ثار على فسادها وخيانتها للأمانة الوطنية، ولذلك طالب الفريق أحمد قايد صالح يوم 22 ماي  2019 المصادف لليوم الرابع من زيارته للناحية العسكرية الرابعة بورقلة، الجزائريين بالتحلي باليقظة ضد أي محاولات لاختراق التناغم بين الشعب وجيشه، قائلا : “أؤكد على أن النهج المتبع في مجال مكافحة الفساد، التي استلزمت رصد وتفكيك كافة الألغام المزروعة في مختلف مؤسسات الدولة وقطاعاتها، هو نهج يرتكز على أساس متين وصلب، لأنه مبني على معلومات صحيحة ومؤكدة، ويستند إلى ملفات ثابتة القرائن، ملفات عديدة وثقيلة بل وخطيرة، مما أزعج العصابة وأثار الرعـب لديها، فسارعت إلى محاولة عرقلة جهود الجيش الوطني الشعبي وجهاز العدالة وهو ما يفرض على الشعب الجزائري أن يتحلى بيقظة شديدة وأن يضع يده في يد جيشه، وأن لا يسمح لأصحاب المخططات الخبيثة بالتسلل بين صفوف الشعب مهما كانت الظروف والأحوال”.

لقد اتخذت العصابة من موضوع تنظيم الانتخابات الرئاسية في التاريخ الدستوري المحدد بـ 4 جويلية  2019  نقطة تثبيت وفرس معركة لاستقطاب التأييد الشعبي لأطروحتها المعارضة لدعوة الفريق أحمد قايد صالح المشددة على ضرورة الالتزام بالدستور، ولأن التقيد بهذا التاريخ الانتخابي يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلا، تفننت العصابة في استغلال هذا المعطى لإلباس الحق بالباطل والظهور بمظهر الطرف المتناغم مع المطالب الشعبية في حين أن هدفها الحقيقي هو السعي إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى آجال غير محددة والتنصل من امتحان الاحتكام إلى الصندوق للوصول إلى السلطة بواسطة الشرعية الشعبية. ولذلك تطالب بمرحلة انتقالية  غير مضبوطة تفتح الباب أمام كل مخاطر ومغريات التدخلات الخارجية والتوترات الداخلية.

وأمام هذا الوضع تأتي أهمية المساهمة السياسية التي تقدم بها في الفترة الأخيرة شخصيتان من أكثر الشخصيات الجزائرية علو كعب في النزاهة الأخلاقية والتألق السياسي والتحصيل الثقافي وهما سليلا عائلتين من  أشهر العائلات الجزائرية وهما الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق ونجل العلامة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي ثاني رئيس لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والسيد إدريس الجزائري مدير مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، والسفير الأسبق وحفيد مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر الجزائري.

وإذا كان المجال لا يتسع هنا  لعرض تفاصيل مبادرتي هاتين الشخصيتين اللتين تم نشرهما في الصحافة الوطنية (جريدة الشروق اليومي) في 22 ماي 2019 بالنسبة لمساهمة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، و25 ماي 2019 بالنسبة لمساهمة السيد إدريس الجزائري. والمبادرتان تقترحان بوعي الوصول إلى حل توافقي عبر انتقال ديمقراطي لنقل السلطة دستوريا لا يسقط خيار إجراء انتخابات رئاسية في مدة زمنية محددة ومعقولة .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com