فنُّ الإحياء…وفضيلة الوفاء للعلماء/ حسن خليفة
يعدّ الوفاء؛ خاصة لأهل العلم والفكر والفضل والإصلاح، من أجمل الخصال وأكرم الفعال التي تدلّ على حُسن الأخلاق وكريم المنبت في الأفراد والجماعات، وقد قيل لا يعرفُ فضل أهل الفضل إلا أهل الفضل .
في هذا ا لسياق يندرج كثير مما تقوم به جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من خلال فعاليات ثقافية وعلمية بين وقت وآخر، تكريما لأعلام منطقة معينة وبعثا لذكرى علمائها وصلحائها وفقهائها، وقد فعلت ذلك في الشرق والغرب والشمال والجنوب خلال السنوات الماضيات، عبر عديد الملتقيات والندوات واللقاءات العلمية … وهاهي الجمعية بالتعاون مع جريدة الشروق وبالتنسيق مع مديرية الشؤون الدينية لولاية قسنطينة تقوم باحتفائية تكريمية إيمانية لفضيلة الشيخ الفقيه المالكي القدير الشيخ مرزوق بن الشيخ الحسين رحمة الله عليه والتي سيحتضنها اليوم (الاثنين 22 رمضان) مسجد الصمد الواقع في وسط قسنطينة، لصيقا بالمقبرة المركزية، وقد دُعيَّ لهذه الاحتفائية العديد من الشخصيات العلمية والدعوية للحضور والمساهمة بالمداخلات العلمية والفكرية والفقهية .
والحقّ أن هذا التكريم والاحتفاء تأخر كثيرا، لأسباب مختلفة موضوعية وذاتية، والمطلوب الاستدارك بما يجبرُ النقص، بتسليط الأضواء الكافية على مثل هذه الشخصيات المظلومة التي أُهمل ذكرها حتى كاد النسيان يُرخي سدوله عليها، كما أن من المطلوب أيضا تحفيز الإخوة العاملين في الجمعية في لجان ” إحياء التراث ـ الثقافة ـ الإعلام ـ النشاط العلمي ” على برمجة المزيد من الفعاليات التي تندرج في ما يمكن تسميته بـ”فن الإحياء” للرجال، والقيم، والسنن، والمبادئ، والمعارف، والعلوم … وما أكثر ذلك في وطننا، في مختلف جهاته، وما أجمله من فن (فن الإحياء)؛ حيث يجلّي لنا كنوزا وثروات علمية وفكرية تزيد ساحتنا غنى على غنى، وتضفي طابع النزوع إلى الاكتمال المعرفي لدى شخصياتنا العلمية والفكرية، عبر الأجيال المختلفة في وطن عانى ما عانى، ولكنه ـ بفضل الله تعالى أولا، ثم بجهود أولئك الأعلام ـ حافظ على هُويته ودينه وثقافته وتراثه …
فالمرجو أن يكون برنامج الإحياء في صدارة برامج وأعمال الجمعية، حاضرا بقوة، مفتوحا في كل سنة؛ خاصة في المناسبات الكريمة كيوم العلم، ويوم تأسيس الجمعية، والأيام الوطنية الكبرى كعيد الاستقلال، وذكرى ثورة التحرير، وعيد الشباب وسواها من المحطات الجميلة النافعة
قد يكون من الغريب القول بأن أي بحث عن شخصية الشيخ مرزوق بن الشيخ الحسين يصصدم بعقبة انعدام المعلومات عنه، ومن هنا تأتي أهمية إحياء ذكره والتعريف به، فهو بالرغم من ذيوع صيته في زمانه، وقوة علمه، وما قدمه في المجالات: العلمية، والاجتماعية، والإصلاحية،
والتربوية ..لا تكاد تجد كتابا عنه، كما لا تكاد تعثر على دراسة علمية أو حتى دراسة عامة أو مقال، ولا تجد له أي صور أو سندات أو وثائق على الرغم من وجودها يقينا هنا أو هناك، وهذا ملمح من ملامح الظلم الذي لقيّه هذا الرجل الكريم والقامة الكبيرة .. وقد لا يكون بدعا في علمائنا ورجالنا وأعلامنا المهضومي الحقوق، ولكنه ربما كان الأوفر حظا في مجال الإهمال والنسيان. ولا ريبَ أن المسؤولية ثقيلة علينا جميعا، وعلى من يجب منهم الوفاء والرعاية والاهتمام، رسميين وغير رسميين، وحتى من عائلته.
والغريب أن ينال الشيخ العباس بن الشيخ الحسين عميد مسجد باريس الأسبق تلك الشهرة الكبيرة والاعتراف الوسيع، بخلاف شقيقه الشيخ مرزوق، على الرغم من أن الشيخ مرزوق يعد عالما حقيقيا من علماء أمتنا، وكان له قدر كبير من الجهد والاجتهاد في مجالات شتى على مدار حياته الزاخرة بالأعمال الكريمة …
إن هذه الاحتفائية العلمية بالشيخ مرزوق رحمه الله هي التي ستجيب عن السؤال:
من هو الشيخ مرزوق بن الشيخ الحسين؟
نعم …إن هذه الاحتفائية التي تندرج ضمن مسار ” فن الإحياء ” كما سبق القول، مناسبة للتعرّف عليه والتعريف به من خلال ما سيُلقى من مداخلات وشهادات لعدد من الدعاة والأساتذة والأكاديميين وبعض طلاب الشيخ مرزوق نفسه، وربما أتيح لتلك المادة العلمية أن تجد طريقها إلى البعث والنشر، فتُنشر في كتاب أو حتى في ملف خاص في الصحف السيارة (الشروق ـ البصائرـ التبيان الخ )، فيجد هذا العالم المكين حظه من التعريف والتنويه، وتجد آثاره كالفتاوى والأمالي وبعض ما سطره قلمه، طريقها إلى النور ليعرف الناس ما يجب عن أعلامهم وعلمائهم، ونصل الماضي بالحاضر ليظل الخيط الرابط قويا متينا بين الأجيال، وهذه واحدة من أهم الأهداف الخاصة بـ “فن الإحياء”، سواء تعلق الأمر بالأعلام أو بالوقائع وأحداث التاريخ الكبيرة والمفصلية؛ إذ لا تكون الأمة أمة إلا باجتماع شملها ووصل ماضيها بحاضرها واستشرافا لمستقبلها في خط واحد متين عريق.
وستخصص البصائر إن شاء الله ملفا لهذا العلم الكبير في أعدادها القادمة. ودعونا نكرّر المطلب العزيز بضرورة الاهتمام بأعلامنا تذكيرا وتعريفا وكتابة وجمعا لآثارهم وتنويها بفضلهم وتعزيزا لمكانتهم، وتسجيلا وعرفانا لأقدارهم، ووفاء.