هل بدأ تحريف الحراك؟/ عبد العزيز كحيل
هل بدأ الحراك ينحرف كما كان متوقعا؟ هذا ما تلوح بوادره مع الأسف، كأن سنة الله قد أدركته:”فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم”، لما طال أمد الحسم في الاستجابة لمطالب الشعب الواضحة تدخّلت السياسة السياسوية والمتربصون من كل حدب وصوب، فلم يعد للحراك هدف واحد بل أهداف متناقضة، ولم يعد الجزائريون على قلب رجل واحد كما كانوا في البداية بل تنازعتهم الأهواء وتقاذفتهم الانتماءات المتباعدة.
كان الشعب والجيش يدا واحدة فأصبح جزء من الشعب ضد الجيش، يشكك في نياته ويتخوّف من مخططاته.
كان الشعب لحمة واحدة في الحراك فظهر ما يفرق صفه.
يجب أن نؤكد نحن الشعب – بعيدا عن الأحزاب والسياسيين والأيادي الخفية والجلية – أن حراكنا ليس حراك العرب ضد القبائل ولا العكس، وليس حراك الإسلاميين ضد العلمانيين ولا العكس، وليس حراك الشعب ضد الجيش، إنما هو حراك الجزائريين كلهم ضد نظام فاسد تسيطر عليه عصابة متهورة جشعة مجرمة… هذا هو حراكنا، وينبغي أن يبقى هكذا، لا نقبل لا من الجيش ولا من أي طرف أن يفرق الكلمة أو يشتّت الشعب أو يختلق أهدافا أخرى مهما كانت براقة.
نستبشر باعتقال المفسدين لمحاسبتهم ونفرح بقطع دابر المتآمرين على البلاد من أبناء فرنسا وغيرهم ونثمّن هذه الخطوات ونعترف أن ضربات قاصمة أصابت أفرادا من العصابة، لكن هل أصابت العصابة نفسها؟ رغم ما حصل نقول بوضوح: الهدف ليس هذا إنما هو تغيير النظام الحاكم تغييرا جذريا لا يقتصر على استقالة رئيسه، والحل يتمثل بطبيعة الحال في الانتخابات الرئاسية في أقرب الآجال، لكن عاقلا لا يصدق أن ذلك ممكن في ظل بن صالح وبدوي المشهورين بالإشراف على التزوير، كيف نضع العربة قبل الثيران؟ هناك مخاوف مشروعة من أن النظام – وهو ما زال قائما – يتبع في “حلّ الأزمة ” خطة وضعها هو، ولا يبالي بالحراك والرأي والعام والمطالب الشعبية، وكثير من القرائن تؤكد هذا التوجه، مما يعني بجلاء رفضه للحل السياسي وتفضيله سيناريو يخدمه هو رغم التصريحات المعسولة والوعود الموسمية، لهذا أصبح كثير من الجزائريين لا يؤمنون بما سموه “أحاديث الثلاثاء” ويفضلون “أحاديث الجمعة” الميدانية التي تنطق بصوت واحد برفض النظام برموزه وبأكمله والتصميم على الحراك حتى يسترجع الجزائريون بلدهم وحريتهم وسيادتهم.
أجل، يحق لنا التوجس من مسار “حلّ الأزمة” وقد توالت بوادر تعفنها إلى حدّ الانسداد، وشاءت الأقدار اختبار نوايا أصحاب القرار فكانت وفاة الشيخ عباسي مدني رحمه الله، وتفاجأ الرأي العام بمنع أفراد أسرته وكذلك الشيخ علي بلحاج من حضور جنازته – رغم أجواء التسامح والوحدة التي تسود الشارع والرأي العام – وتزامن ذلك مع إلقاء الزعيم الانفصالي القبائلي محاضرة مصورة في جامعة تيزي وزو بكل حرية وجرأة وتبجح في تحدٍّ سافر للدولة وثوابت الأمة من غير أن يُتابع هو ولا مسؤولو الجامعة – فزاد ذلك من توجّس الحراك وتساءل:الجزائر إلى أين؟
وقد بدا واضحا أن السلطة تراهن على شهر رمضان لإنهاك الحراك عسى أن يتلاشى أو على الأقل ينصبّ اهتمامه على الفروع وينسى أصل مطالبه والهدف المرسوم من أول يوم، لكن ذلك لم يحدث واستمرّ الحراك بكل عنفوان ونشاط في الشهر الفضيل لكن يجب الاعتراف بأن نوعا من التصدع بدأ يسري في جسد الحراك بفعل فاعل، خاصة في غياب التمثيل من جهة وتراجع العمل السياسي تراجعا كبيرا ترك المكان للتناحر الحزبي على حساب واجب الوقت وقضايا الساعة الملحة.
مواصلة الحراك بقوة وبصيرة هو الحلّ لكن مع الحرص الشديد الواثق على الوحدة ورفض كل أشكال التشتيت والتراشق بالتهم لأن الغاية هي التغيير الجذري لمنظومة الحكم الفاسدة لإنتاج سياسات جديدة تتولاها وجوه جديدة بآليات ديمقراطية حقيقية جادة للاستجابة لمطالب الشعب بدل التلاعب به وبأمواله ومقدراته ومستقبله، حينذاك يحدث التدافع المجتمعي في جوّ صحي يتيح للبرامج السياسية المختلفة أن تتنافس ويفصل فيها الشعب في انتخابات حرة حقيقة تشرف عليها المؤسسات الوطنية النزيهة غير المنحازة.