ما قل و دل

عادات الكتّاب/ محمد الصالح الصديق

زارني شاعر شاب، له ديوان جهزه للطبع منذ بضع سنوات، وكان يظن أن أبواب دور النشر ستفتح أمامه بسهولة ويسر، وعندما اصطدم بالواقع المر، جاء يستعين بي على فتح أحدها.

وقد أطلعني الشاب على قطع شعرية من ديوانه تعد بمستقبل شعري باسم، وذكر لي في معرض حديثه عن بداية رحلته مع الشعر، وعادته في النظم، وذكر أنه لا يستطيع أن ينظم ولو بيتا واحدا إلا إذا عصب رأسه بمنديل، فذكرت له أن كثيرا من الكتاب والشعراء، وأهل الفن اشتهروا غالبا بشيء من الشذوذ في عاداتهم، وأطوارهم، وذكرت له على سبيل المثال أنه يروى عن شاتوبريان أنه كان يملي كتاباته على كاتم أسراره وهو يتمشى حافي القدمين، وكان شيللر يكتب وقدماه مسندتان في الثلج، وبوسويه كان يلف رأسه بقماش حار يغيره كلما برد، وكان داروين يضرب الدف بضع دقائق قبل أن يبتدئ الكتابة، ويروى عن يومون الروائي الخفيف الروح، أنه كان يلبس أفخر ثيابه ويتزين بأثمن جواهره ثم يجلس للعمل، والقصاص بيار لوتي يجمع حوله قوارير العطورات ويستنشق روائحها من فينة إلى أخرى.

وللكتاب العرب أيضا من لهم عادات لا يجيدون الكتابة إلا إذا مارسوها وسيتسع المجال إذا نحن استعرضنا أمثلة منهم، وقد اعتنى بهؤلاء وأولئك الكاتب المعروف سليم سركيس ونشر ذلك في مجلة الهلال في السنوات 1919-1925.

ولا يعلل ما اعتاده هؤلاء الكتاب والشعراء والروائيون إلا بكونهم عودوا أنفسهم على تلك العادات، ولذا لا يشعرون بالراحة إلا إذا أتوها، فإذا تصدوا لممارسة الكتابة أو الشعر، انصاعت أنفسهم لتلك العادات، وشعروا بالراحة وظنوا أن تلك العادات طقوس ضرورية لهم حتى يبدعوا ويجيدوا.

والعادة كالطبيعة إذا تأصلت في الإنسان صارت جزءا منه لا تطيب له الحياة إلا بها.

ومن هنا فالحكمة أن يعود الإنسان على العادات الحسنة التي في تعاطيها والإتيان بها، راحة له، أو شهرة، أو كمال.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com