ما هو أساس السياسة؟/ أ. د. عمار طالبي
إن التاريخ السياسي للأمم يشير إلى أن الثقة بين الحاكم والمحكوم هي أوثق الموازين في انقياد الأمة لقيادتها، والاستجابة لأوامرها للنهوض بها، والاجتهاد في تنفيذ ما يخطط لها من خطط بها تتقدم وتنمو، وتنتج ما يقوي ثقافتها، واقتصادها، وسياستها في المجتمع الدولي وتتركز اهتماماتها في فكرة الفعالية Notion d’efficacité وخاصة في تدبير شؤون الأمة ووسائلها الرئيسية: الإدارة والدولة، فالدولة ليس من شأنها مجرد إثبات سيدتها والتعبير عنها في كل أبعادها والاقتصادية، والثقافية.
وبهذا المعنى ينبغي أن ندرك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما هي أعمالكم ترد إليكم كما تكونوا يُوّل عليكم” ترتد آثارها عليكم، وهذا يتجه إلى أبعد من ذلك في عواقبه السياسية الاجتماعية ولذلك يرى مالك نبي أنه لتحسين أوضاع الدولة يحب تحسين النفس ذاتها أي نفس الحاكم
pour améliorer
l’etat, il faut
S’améliorer soi-méme
مع السماح بالنقد الذاتي، وعدم الخوف من آثاره، من حيث قد يستعمله العدو، فالروح النقدية ضرورة لتفادي ما يمكن أن يقع من أخطاء، إذ أن الأخطاء إذا تركت تراكمت وتضخمت وعسر علاجها، فيجب أن يمضي النقد الذاتي في الجزائر سبيله إلى أن يؤتي ثماره، في تعديل خطوات سيرنا وتوجهنا إلى أفق الحضارة، وهذا ما يسمى بعلم الاجتماع المرضي، الذي يراقب الظواهر الاجتماعية للكشف عما يعيق النمو السوي، وإبعاد جوانب الضعف.
آن لنا اليوم أن نمتحن من جديد موازين حياتنا، وأن ندرك تمام الإدراك جهاز التنفيذ الفعال وأنه بأيدي شبابنا بما له من حيوية ووعي ولابد من إحصاء الظواهر السلبية، والكشف عن أسبابها، والعراقيل التي تصطدم مع التنفيذ، والأمراض التي تجعل من الصعب أن تؤدي الدولة وظائفها.
فالمشكلة ترجع إلى الناحية النفسية أكثر منها إلى الناحية الدستورية، إنها مشكلة البنية العقلية والضمير المهني، والشعور بالمسؤولية، فإذا أصاب العلاقات الاجتماعية خلل أصبح من الضروري نفي أسباب خللها ، لمنح الدولة كل فعالية لأداء وظيفتها، وكل معاني الديمقراطية فكل قطع بين الوجود الأخلاقي، والوجود المحسوس للفرد فإنه يؤدي إلى تقسيم الأمة، حتى إذا نظرنا إلى العلم، فإن العلم بلا ضمير إن هو إلا خراب للنفس
Science sans conscience n’est que ruine de l’aine
كما قال رابولي، فإذا خرب الضمير، فإنه يؤدي بالضرورة إلى نظام اقتصادي قومي أو دولي لا أخلاقي، فإن الاقتصاد ليس إلا إسقاط سياسي على محور النشاط الإنساني، فإذا ما بقيت السياسة مرتبطة بالمبادئ الأخلاقية فالاقتصاد يبقى مرتبطا بتلك المبادئ نفسها.
ولذلك نجد أرسطو كتب كتابه في السياسات إلى إسكندر الأكبر، وكتب في الأخلاق إلى نيقو ماخيا بدافع من نفسه الانسانية، فإن الطلاق بين العلم والضمير له نتائجه على المستوى الذهني والفردي ولا يقتصر ذلك على المستوى الاجتماعي والأخلاقي.
ولا يكفي القانون لإصلاح السياسة إذا فسدت، ولكن يقظة الضمير الجماعي، وهبته هما العامل الحاسم لإعادة الموازين، فالسياسة لا يحكم عليها بمجرد شعاراتها، ولكن من خلال القصد الحقيقي أي من خلال محتواها الأخلاقي، كما قال الإمام علي: “إنها كلمة حق يراد بها باطل” حينما نودي بتحكيم كتاب الله بينه ومعاوية.
وقال مالك بن نبي: إذا كان العلم بلا ضمير ليس إلا خرابا للنفس، فإنه يضاف إلى ذلك إن السياسة بدون خلق ليست إلا تخريبا لأمة.
وهذا الفساد الذي ثار الشعب الجزائري للقضاء عليه إن هو إلا عاقبة ضمائر خربت، ونفوس مرضت، فانغمست في مستنقع اللذات وجمع الأموال ونهبها ثم التشبت بالحكم وإن ادى إلى تخريب الأمة واستعبادها، فكان هؤلاء قد استخفوا بالشعب، وحسبوه قد مات ضميره وخمدت نوازع الخير والدفع فيه، فاندفعوا في الفساد والإصرار عليه، واتجه بعضهم إلى التعامل مع الأجنبي ليبقى على وجوده في الحكم، خاضعا لمصالح، ولاء خائنا للأمة وقيمها وثقافتها واقتصادها وشرفها وسيادتها، اللهم انقذ الأمة منهم ومن فسادهم. إنك على كل شيء قدير.