لنعود أطفالنا على كيفية اتخاذ القرارات والتمرس بالمسؤوليات…/ آمال السائحي
لقد جاء في المثل أن: “التعليم في الصغر كالنقش على الحجر”، فعلا من الجميل أن يكون للوالدين برنامج مسطر ورؤية مستقبلية واضحة، ذات أبعاد تربوية هادفة، تتضمن تنشئة الأبناء على مبدأ تحمل المسؤولية، وكيفية اتخاذ القرارات الهادفة السليمة، التي تعد أطفالنا ليكونوا قادة ومسئولين، يعرفون كيف يشقون الطريق نحو مستقبلهم بيقين وثبات، ولن يكون ذلك ممكنا، إلاّ إذا تم تلقينهم ذلك منذ الصغر، حيث يتعود الطفل أن ينظم حياته بأفكاره وبطريقة سلسة ومريحة، ليس فيها تردد ولا شك، حتى يتعود على أخذ زمام المبادرة بنفسه، في لبسه، في مدرسته، في مقرراته، وفي كل مجالات حياته ، إنها مهارات وتدريبات لا بد للوالدين أن يركزوا عليها في تربيتهم لأبنائهم وبناتهم ويلحوا عليه إلحاحا، ويعضون عليها بالنواجذ.
ومن ضمن أولى المهارات أو الأساسيات التي يمكن أن يقدمها الوالدان لأبنائهم، هو حديث الرسول الله صلى الله وسلم عن كيفية التواصل مع الله عبر صلاة الاستخارة، أي المشورة البناءة.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ: ((إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي به))، قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ
ومنها كذلك ما أشار إليه أخصائي التربية ويتمثل في: ذلك الحوار البناء بين الطفل وأبويه، أو مربيه في اتخاذ القرارات الصائبة، وكيف باستطاعته حلها وتوضيح الاختيارات المناسبة أو المتاحة له، وهل كل الاختيارات التي يقدمها هي متاحة؟ وهل هذه الاختيارات هي آمنة أو يوجد بعض الأمور التي تحتاج منا المغامرة وبالتالي نجد مثلا الفشل.
ومنها كذلك تفهم العواقب، كل اختيار له إيجابياته وسلبياته ومميزاته وعيوبه، لذا يجب فهم جميع الاختيارات، أو في بعض المسائل يمكن أن نتخذ قرارا واحدا، ويجب التوصل في النهاية إلى قرار واحد فقط، ولا بد من اتخاذه دون تردد و مماطلة.
ومنها كذلك تقييم القرار والتعلم منه: بمجرد اتخاذ القرار يجب أن تنصحي طفلك بمراقبة الوضع، ومعرفة النتائج التي ترتبت على القرار؟ وهل كان جيدًا أم لا؟ والتعلم من هذه النتائج لحين إعادة التجربة مرة أخرى. عدم التدخل الكامل في حل مشاكل الطفل: يقوم الأب والأم دائمًا بحل أى مشكلة تواجه طفلهما مع اعتقادهما التام بأنهما يساعدانه، وهذا تصرف خاطئ، لأن الطفل بذلك لا يأخذ فرصته في التفكير وإبداء الرأي، حتى لو كان غير صحيح، فمن الأفضل تركهم يفكرون في حل مناسب للمشكلة، ومن الممكن التدخل بنصيحة صغيرة للمساعدة.
وهذا هو عين ما نبه إليه كتاب “عالم الأفكار” للمفكر الجزائري مالك بن نبي -رحمه الله- بقوله: “لقد أرانا تاريخ ألمانيا الحديث، كيف أن بلدًا شهد الانهيار الكامل لعالم أشيائه قد استطاع باحتفاظه بعالم أفكاره أن يبني كيانه من جديد”. فالقيادة الرشيدة، يبرز دورها في قدرتها على التفكير القويم، والتخطيط السليم، والضبط والتنظيم، والإلهام والتعليم. ومن هنا يتضح أن افتقار بعض دولنا العربية لهذا النمط من القادة، هو الذي جعلها ترسف في التخلف، على الرغم من امتلاكها للوسائل والأدوات، والأموال والثروات، حقا كم من قوم غاب رشدهم، عندما غاب مرشدهم، فلنفسح المجال لأطفالنا ليتعودوا على كيفية اتخاذ القرارات والتمرس بالمسئوليات، حتى تنضج فيهم الهمم، ويتهيئون لقيادة الأمم…..