على بصيرة

وإلى العروبة ننتسب…./ أ. د. عبد الرزاق قسوم

ماذا؟

أبعد مايربو على القرن والنصف من جهاد الأمير عبد القادر، فارس العقيدة وفارس المقاومة، ضد استئصال الذات، والدعوة إلى الثبات؟

وبعد جهاد العلماء المقاومين، منذ المقراني وبوعمامة، والمغيلي إلى ابن باديس، في سبيل إبطال الإدعاء، وإثبات الإنتماء، وبعد جهاد نوفمبر المجيد، الذي أعلى مجدنا التليد، وحقق نصرنا الأكيد، وثبت انتماءنا الوحيد.

أبعد كل هذه التضحيات، وتحقيق أنبل الإنتصارات، بالحراك الشعبي الذي وحد كل الفئات؟ أبعد كل هذا يخرج علينا من يشكك في انتمائنا، ويطعن في اختيارنا، وارتقائنا، واصطفائنا؟

اللهم، إنا نبرأ إليك، مما يفعله بعض المنسلين منا، والخارجين عنا، والمندسين للفتنة بيننا!

فهل يعقل، بعد كل المواثيق التي وقعناها، والشعارات التي جسدناها، والمؤسسات التي أعليناها، والثقافات التي غرسناها وعمقناها، أينبري بعد كل هذا، من يرفع عنا غطاء الأصول، ويعمل على الحاقنا، بالمغول، أو حفدة دوغول؟

هل نزع العروبة عن الشعب الجزائري، مدح أم ذم له؟ فنحن مسلمون، إلا من أبى، ولسانه القرآن، والقرآن بلسان عربي. ونحن نفرق في العروبة، بين عروبة الحضارة، التي بنى رسول الاسلام، بها حضارة امتدت عبر خمسة عشر قرنا ولا يزال الناس يدخلون فيها أفواجا  كل يوم.

ونحن نفرق بين عروبة فصيلة الدم لدى الحصان، وعروبة الثقافة لدى الإنسان، كما يقول صديقنا المفكر الدكتور أحمد بن نعمان، فما لهؤلاء القوم يخبطون خبط من أصابه مس من الإنس أو الشيطان؟

عجبت – والله- لمن يعتز بعروبته من المسيحيين في لبنان، ومن الأعاجم في تشاد والسودان، وفي إريتيريا وكثير من الأوطان، في حين يتنصل من هذه العروبة الحضارية، بعض الساسة المحسوبين على الشعب الجزائري، بالظلم والعدوان.

فيا قوم! إن العروبة في الشعب الجزائري، حتى وإن أنكرها عليه المحتلون، والمنسلبون، والمهزومون، فهي دم تضخه القلوب في الأبدان، وخلق يبثه الإسلام في كامل الأوطان، ووسام حضاري يعتز به المسلم دون بقية بني الإنسان.

نحن أمازيغ في أصولنا الأولى، وهو أصل نعتز به لأنه عنوان الشهامة والبطولة، والتسامح والسهولة، فأجدادنا الأمازيغ هم من حملوا لواء الإسلام منذ طارق بن زياد إلى عبد الحميد بن باديس، وهم من قعّدوا للنحو العربي، منذ علماء بجاية، إلى ابن معطي الزواوي، فإذا قال ابن باديس وهو الأمازيغي الصنهاجي

شعب الجزائر مسلم                   وإلى العروبة ينتسب

من قال حاد عن اصله                أو قال مات فقد كذب

أو رام ادماجا له                       رام المحال من الطلب

فقد صدق في قوله، لأن العروبة التي نادى بها ليست عروبة سلمان الفارسي وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وهم رغم أصولهم الأعجمية، عرب بالقوة وبالفعل.

فالقبائل عندنا، والشاوية، والميزابيون، والتوارق، وغيرهم من أبناء الشعب الجزائري، هم أعمق الناس عروبة وأقواهم دفاعا عنها ، وحماية لها.

فحذار يا قوم؛

إن الثوابت في الجزائر خط أحمر، لا يمكن تجاوزه، وهذه الثوابت هي أمازيغيتنا، وعروبتنا، وإسلامنا ووطنيتنا، فلا يجرؤ أي أحد على المساومة بها، أو القفز عليها حتى وإن أصيبت العروبة في بعض أجزائها، بالإنحراف، فذلك ليس راجعا إلى العروبة كقيمة إنسانية، ولكن إلى العربي المزيف، كعملة فاسدة.

وهو أشبه ببعض المسلمين الفاسدين أو المندسين، فليس العيب في الإسلام كعقيدة صحيحة، ولكن العيب في هؤلاء المحسوبين على الإسلام، وهو منهم براء.

إن المعيار الذي به، نقيس مدى وطنية أي جزائري، هو مدى وفائه لثوابت الجزائر وعروبتها، حتى ولو كان يعاني من عقدة الكلام باللسان العربي، وإسلام الجزائر حتى ولو كان عاصيا، لا يصلي أو يأتي ببعض الموبقات، وأمازغية الجزائر، حتى ولو كان لا يجيد أية لهجة من لهجاتها، فالمهم احترام هذه الثوابت، واعتبارها المقومات الأساسية لهذا الوطن، فقد ضحى من أجل هذه الثوابت، خيرة أبناء الوطن من العلماء، والشهداء، والصلحاء.

ألا فليتب من زلت به قدمه، أو زاغ لسانه، أو طاش عقله، فاليتب إلى الوطن  عما فعل، وإن الوطن غفور رحيم، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

وإلى الجيل الصاعد من أبنائنا، وإلى الملايين من جنود الحراك الشعبي نحذرهم من هذه الأحاييل، حتى لا يقعوا فيها، فقد شيدوا بحراكهم، عملا وطنيا جميلا، قوامه مبادئ نوفمبر وقيم ابن باديس.

إن الشعب الجزائري، قد كتب عليه – مضطرا- أن يقبل تسلط بعض السفهاء أو أن يعاني الغلاء، أو سوء العلاج وندرة الدواء، أو انقطاع الماء أو الكهرباء، ولكن شعبنا لم، ولن يقبل أبدا الإعتداء على الإنتماء أو الطعن في قيم الوطنيين الأصلاء.

فشعبنا، يبلوا من أجل دفع ذلك كل البلاء، من أجل اثبات الوجود والبقاء، وإن البقاء سيكون دوما للأوفياء، الأصلاء، النبلاء، ونؤكد للمرة المليون، أننا مسلمون في الجزائر، وإلى العروبة ننتسب.

   ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ [سورة الشعراء- الآية – 227 ] 

 

 

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com