إمبراطورية الفساد تتهاوى … !/ عبد الحميد عبدوس
تسارعت وتيرة سقوط رؤوس الفساد في الجزائر منذ صعود المطالب الشعبية بمحاسبة الفاسدين، وخصوصا بعد مطالبة نائب وزير الدفاع، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح من ولاية ورقلة يوم 16 أفريل 2019 جهاز العدالة أن “يسرع في وتيرة معالجة مختلف القضايا المتعلقة باستفادة بعض الأشخاص، بغير وجه حق، من قروض بآلاف المليارات وإلحاق الضرر بخزينة الدولة واختلاس أموال الشعب”.
المثير للانتباه أن هذه الإجراءات الحاسمة لتفعيل دور العدالة استجابة لمطلب الشعب وبدعم وحماية من المؤسسة العسكرية بدأت تتعرض لمحاولات العرقلة والتشويش من طرف جهات داخلية وخارجية من خلال أذرع إعلامية ودكاكين سياسية تريد استمرار الوضع الفاسد، وإبقاء ستار الحماية والتهرب من يد المحاسبة وتطبيق العدالة على أشخاص تم الاشتباه في تورطهم في قضايا الفساد الذي أفقر العباد ونخر حصانة البلاد.
لقد وصل الأمر بالبعض إلى تنظيم مسيرات ومظاهرات في بجاية والبويرة وتيزي وزو للتنديد بحبس يسعد ربراب صاحب شركة سيفيتال ومصنع المياه المعدنية لالة خديجة الذي أودع الحبس الاحتياطي يوم الاثنين 22أفريل 2019 من طرف قاضي التحقيق بمحكمة سيدي امحمد بتهمة التصريح الكاذب المتعلق بحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وتضخيم فواتير واستيراد عتاد مستعمل، بالرغم من الاستفادة من امتيازات جبائية ومصرفية. ومنذ ذلك الحين حملت جرائد وتلفزيونات ومواقع الكترونية موالية لرجل الأعمال يسعد ربراب لواء الدفاع عنه وتغذية النزعات الجهوية للضغط على سير العدالة .
كان من المفهوم والمعقول أن يدافع عمال شركات ربراب عن مناصب عملهم وأن يطالبوا بعدم المساس بمصدر رزقهم، وحتى أن يطالبوا بتوفير محاكمة عادلة للمتهم ولكن أن يطالب هؤلاء المحتجون بجعل يسعد ربراب فوق مستوى المحاسبة وعدم تقديمه للعدالة بحجة أنه ساهم في توفير مناصب شغل أو أنه كان في خلاف مع الرئيس المقال وعائلته ورجال الأعمال المقربين منهم فهذا ازدراء للعدالة وتجاوز لمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون.
بعض وسائل الإعلام تردد مقولة أن يسعد ربراب رجل أعمال نزيه وخلاق للثروة وأنه بنى إمبراطوريته المالية والصناعية والتجارية بفضل ذكائه وموهبته وعصاميته، وأن تقديمه للعدالة هو ضرب للاستثمار الوطني، وتصفية حسابات بين أجنحة السلطة المتصارعة، وليس هناك ما يدينه من الناحية القانونية في مسار تكوين ثروته الضخمة التي يقدرها البعض بما يزيد عن 3 ملايير دولار مما جعله يدرج في قائمة الرجال الأكثر ثراء في العالم.
ولعل من المفيد تذكير أصحاب هذا الرأي بما قاله رئيس الحكومة ووزير الاقتصاد الأسبق بلعيد عبد السلام أن ربراب كسب الثّروة بالتهرّب الضّريبي والتّلاعب بالقانون بحماية رجال السلطة في سنوات العشرية الحمراء عندما كانت دماء الجزائريين تسيل بغزارة يوميا.
رئيس ديوان بلعيد عبد السلام أخبره (عندما كان رئيسا للحكومة من 1992إلى 1993 ) بأن هناك مشكلا يتعلق بمبالغ مالية طائلة لم يدفعها رجل الأعمال يسعد ربراب والمقدرة بـ140 مليار، وأكد: «بعد إبلاغي بالأمر قلت لرئيس الديوان أخبر الجميع أن يتعامل معه كأي شخص عادي ويلزمه بدفع الضرائب المترتبة على أرباحه التي جناها على ظهر الشعب الجزائري»، مضيفا « ربراب كان الوحيد الذي يستورد حديد البناء في تلك الفترة وكان يبيعه للدولة وللشعب معا، غير أنه ورغم عدم توفره على الشروط القانونية إلا أن نفوذه مكّنه آنذاك من مواصلة النشاط». بعد هذا الطلب تمت إقالة حكومة بلعيد عبد السلام وظل ربراب يكدس الأموال تحت حماية رجال السلطة النافذين آنذاك من مسؤولين سياسيين وعسكريين . وهذه الحادثة تمثل سابقة لما وقع بعد ذلك بحوالي24 سنة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة ( في 2017 ) عندما تسبب علي حداد في إقالة حكومة عبد المجيد تبون.
وفي جويلية 2016 نشرت جريدة (لوموند ) الفرنسية مقالا تحت عنوان”خلفيات الصعود الصاروخي لرجل الأعمال يسعد ربراب” كشفت فيه عملية الاحتيال في تهريب العملة الصعبة إلى الخارج حيث أشارت إلى ورود اسم ربراب في فضيحة ما عرف ( أوراق بنما ) وأنه قد استعان عندما كان يعمل في مجال استيراد الإسمنت بمكتب يدعى”موساك فونسيكا” سنة 1992 من أجل إنشاء شركة وهمية في الخارج تحت اسم شركة (ديكوما ) مقرها في جزر فيرجين البريطانية في حين لم يكشف المصدر عن المبالغ المالية التي تم تحويلها عبر بنك الاتحاد السويسري باستغلال هذه الشركة، كما تم إعلان حل هذه الشركة سنة 1996 لكن في الواقع شركة ( ديكوما) حولت نشاطها وبصفة خاصة ليتم استغلال حساب الشركة المنحلة في بنك الاتحاد السويسري في تسيير هيكل ”اوف شور” آخر يقع مقره في الملاذ الضريبي لجزيرة نيوى جنوب المحيط الهادئ ورغم أن الجريدة اتصلت به لتوضيح الموقف، ولكنه رفض الرد وطلب من المكلفة بالإعلام في مؤسسة سيفيتال نفي ما ورد في المقال رغم الوثائق المنشورة فيه والتي تؤكد وجود مراسلة موقعة من طرف ربراب موجهة لفرع “موساك فونسيكا” بجنيف مؤرخة في 15ديسمبر1995يطلب فيها حل شركته واكتفى بتبليغ وسائل إعلام جزائرية بأنه كلف محاميا في باريس لمقاضاة جريدة لوموند.
يسعد ربراب يقول إنه بدأ حياته المهنية في نهاية الستينات بمداخيل قدرت بـ1200 دينار شهريا، وها هي ثروة ربراب قد وصلت في 2019 إلى الرقم الخرافي المقدر ب 3.7 مليار دولار، فهل أن رجلا بمثل هذه الثروة وشبكة العلاقات المؤثرة في الداخل والخارج عاجز عن تكليف أفضل المحامين لإظهار براءته أمام العدالة إن كان بريئا؟ وبالتالي هل يحتاج إلى من يدافع عنه خارج إطار العدالة بالمظاهرات والمسيرات؟.
ففي إطار حملة مكافحة الفساد وقبل توقيف يسعد ربراب وحتى بعد حبسه، تم تقديم العديد من الاشخاص المتهمين بالتورط في قضايا فساد إلى العدالة، ولم نر تحركا لأي جموع من المواطنين الجزائريين سواء في الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب احتجاجا على توقيف أولئك الأشخاص.
وعلى سبيل المثال في 31 مارس 2019، بعد الجمعة السادسة من الحراك الشعبي أوقفت شرطة الحدود بالمعبر الحدودي البري أم الطبول في ولاية الطارف، رجل الأعمال علي حداد الذي حاول العبور إلى الأراضي التونسية عند الساعة الثالثة صباحا. وبعد مثوله أمام قاضي التحقيق بمحكمة بئر مراد رايس أودع الحبس المؤقت بسجن الحراش.
وفي يوم الأربعاء 24 أفريل 2019 وضع رجال الأعمال كريم ونوح طارق ورضا كونيناف، بعد مثولهم أمام قاضي التحقيق بمحكمة سيدي امحمد قيد الحبس المؤقت بعد الاستماع إليهم في قضية “استغلال النفوذ.”
وفي مساء الخميس 25 أفريل 2019، منعت مصالح الأمن بمطار هواري بومدين رجل الأعمال، “خيضر .عولمي” شقيق مالك مجمع “سوفاك” مراد عولمي من مغادرة الجزائر، بعد أن كان بصدد التوجه نحو مدينة نيس الفرنسية. وكان أن مراد عولمي قد غادر قبل أيام الجزائر متوجها لفرنسا، منذ 22 مارس 2019 و كانت مصلحة التحريات التابعة للدرك الوطني بباب جديد قد وجهت استدعائين لمراد عولمي لاستجوابه في قضايا فساد، غير أنه لم يمتثل إلى الآن. ونشر مراد عولمي ردا على خبر عدم مثوله للتحقيق بالقول: لست في حالة فرار وبخصوص العدالة أكد :” لي ثقة كبيرة في العدالة الجزائرية وسأقدم في الموعد المحدد والمرتب لي مع جهة التحقيق كل المعلومات المطلوبة والوثائق الضرورية”.
بالإضافة إلى توقيف هذه الرؤوس الكبيرة التي كانت تتحكم في المشهد الاقتصادي وتؤثر بقوة في التوجه السياسي، تم توجيه استدعاءات للمثول أمام وكيل الجمهورية لكل من أحمد أويحيى، ومحمد لوكال وزير المالية ومحافظ بنك الجزائر السابق، للتحقيق معهما بخصوص تبديد الأموال العمومية ومنح مزايا غير قانونية. وتبع كل ذلك بسلسلة إقالات لشخصيات كبيرة من موظفي الدولة في مناصب حساسة على غرار عبد المومن ولد قدور، الرئيس المدير العام السابق لمؤسسة سوناطراك، وعادل خمان الرئيس المدير العام لاتصالات الجزائر، وعبد الحميد ملزي مدير إقامة الدولة بنادي الصنوبر . وتمت إقالة عدد من الولاة منهم عبد القادر زوخ والي العاصمة بعد كارثة انهيار مسكن في بلدية القصبة خلف للأسف العديد من الضحايا عليهم رحمة الله،. كما تم إحالة ملف وزير الطاقة الأسبق، شكيب خليل على المحكمة العليا، وإعادة فتح ملف مؤسسة سوناطراك 2، المحفوظ في غرفة التحقيق بالقطب الجزائي المتخصص لمحكمة سيدي أمحمد منذ 4 سنوات. كما وجه وزير العدل مراسلة إلى مجلس الأمة لطلب رفع الحصانة البرلمانية عن عضوي الثلث الرئاسي في مجلس الأمة جمال ولد عباس وزير التضامن، ووزير الصحة الأسبق، والأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، والسعيد بركات وزير الفلاحة والتنمية الريفية ووزير الصحة الأسبق كجزء من التحقيق في قضبة اختلاس الأموال من وزارة التضامن الوطني.
ولوجود شبهات قوية حول الأسماء التي تم تقديمها للعدالة طالب المحامي والناشط الحقوقي مصطفى بوشاشي بضرورة المحافظة على المال العام واتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المال العام والتحفظ على الأموال وربما على بعض الاشخاص إذا كانت هناك شبهة كبيرة تحوم حولهم.
ومهما يكن من الأمر، فإن ما يجري يعطي مؤشرات قوية على بداية انهيار إمبراطورية الفساد في الجزائر.