اتجاهات

من رفعه الله هيهات يضعه غيره…/ محمد العلمي السائحي

ها هو أحد أبرز رجال الجزائر ممن صدق فيهم قول الله تعالى:           ((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا )) ممن أخلصوا لهذا الوطن ووفّوا له، وتكبدوا من أجله أفدح التضحيات، حتى يعيش حرا مستقلا، ويحي شعبه عزيزا مكرما، رجل انخرط في النضال السياسي والكفاح المسلح وهو بعد فتيا يافعا، لم يتجاوز السابعة عشر من عمره، رجل كان له شرف حمل السلاح لتحرير وطنه منذ اللحظة الأولى لاندلاع ثورة التحريرية الكبرى، رجل قُدِر له أن يقضي ما يقرب من ربع عمره في السجن، فينكل به شر تنكيل، ويسلط عليه من العذاب ما جعل الغير يشفقون عليه منه، رجل نفي من وطنه الذي حارب الاحتلال من أجله، فصودرت حريته لسبع سنين أو يزيد بسبب ذلك، رجل لم يرضه الانحراف عن بيان أول نوفمبر بعد الاستقلال، فانبرى للنضال السياسي بحزم وإصرار، ليعيد قطار الوطن إلى سكته، ولم يبال بما اعترضه من عقبات، أو تعرض له من مضايقات، رجل استطاع بعد أن سقط النظام الاشتراكي وفسح المجال للتعددية السياسية، أن ينشئ أكبر حزب اكتسح في الانتخابات البلدية والتشريعية كل الأحزاب السياسية الأخرى، بما فيها حزب جبهة التحرير الوطني العتيد، حزب كشف فوزه في الانتخابات عن أن الجزائر وفية لانتمائها الديني والحضاري ، وأنها لا تريد أن تكون تابعة لفرنسا تدور في فلكها، وتأتمر بأمرها، بما جعل أذناب فرنسا ينقلبون على التعددية السياسية ويتنكرون للديمقراطية التي طالما تشدقوا بها، وتوسلوا بها للوصول إلى السلطة واحتكارها، فأنكروا عليه فوزه في الانتخابات، وانقلبوا عليه، وألقوا به في السجن وزجوا بأتباعه والمتعاطفين معهم في المحتشدات والسجون التي أنشأ وها لهذا الغرض، وألصقوا بهم تهمة الإرهاب واتخذوا من ذلك ذريعة لمصادرة حرية الشعب بأكمله، وفرضوا على البلاد حالة الطوارئ ليغدو بمقدورهم مصادرة الحريات ومنع الشعب من الاحتجاج عما يصدر عنهم من تعسف في حق الشعب والوطن، ولم يكتفوا بمصادرة حريته لاثنتي عشر سنة كاملة قضاها في السجن والإقامة الجبرية، بل قاموا بنفيه إلى خارج الوطن، فلم يوجه ركائبه إلى أوروبا كما فعل بعض الزعماء،  بل فضل أن يقيم في بلد عربي شقيق،  ولما قضى نحبه فيه أقام له أمير البلاد جنازة تليق به، جنازة حضرها أفاضل الناس من العلماء والأعيان، ودل الجمهور الذي حضرها، على أنه كان عنصرا فاعلا في المجتمع الذي نزل ضيفا عليه، وذلك ديدن المؤمن الذي أينما حل حلت معه البركة والخير، فينتفع الناس بعلمه وجهده، رجل أصر على أن يوارى الثرى في بلاده وبجوار أبيه، فاستقبل الشعب جثمانه استقبال الفاتحين، وتداعى لحضور جنازته الناس من كل حدب وصوب، حتى ضاقت بهم الطرق والساحات، وكأن الجزائر برمتها خرجت لتودعه، وكأن الله خاطب أعداءه من خلال جموع الحاضرين السائرين في ركاب جنازته : هيهات تضعوا من قدر رجل أنا رفعته…

رحمك الله يا أيها المجاهد الحق، والمربي الفاضل، والسياسي الخلوق، ووسع مدخلك، وأكرم نزلك، ويمن كتابك، ويسر حسابك، وأجزل ثوابك، وجزاك أفضل الجزاء، عن بذلك للجهد وفاء للعهد، وصادق العزاء لآله وللجزائر خاصة وللأمة الإسلامية عامة…

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com