ما هذا الخذلان والصمت الغريب؟/ د. عمار الطالبي
يتعرض المسجد الأقصى المبارك للحصار والاقتحام، والعدوان على المصلين بالضرب والإهانة، وتقوم عصابات الشرطة والمستوطنين، باستباحة المسجد وساحاته، وغلق أبوابه، وتركيب الأبواب الإلكترونية، والاعتداء على النساء والشيوخ بالضرب والدفع إلى الأرض، بلا هوادة ولا توقف، ويضربون مفتي بيت المقدس، وإمام المسجد، والقائمين على شؤونه، فلا يحترمون معبدا يعبد الله وحده فيه، ويوحّد، ويمجّد، ويقدّس، ويعظّم، وينزّه، وهو مقصد الدين بما في ذلك دين موسى عليه السلام، الذي يؤمن به المسلمون، ويذكر موسى في القرآن أكثر من أي نبي أو رسول، ويصف التوراة بأنها نور وهدى.
كيف يحترم هؤلاء العدوانيون الطغاة من يوحد الله ويعبده، وهم الذين يعتقدون أن المسيح عليه السلام ساحر كذاب وحاشاه، وأن أمه عليها السلام بغي حاشاها، ومع ذلك نجد إخواننا النصارى يؤيدون الصهاينة، ويدعمونهم سياسيا وماديا في أمريكا وبريطانيا وغيرهما، ويحتقرون المسلمين إلا من رحم ربك، ويكرهونهم اليوم ويتخوفونهم، ويحسبونهم أعداء، وإن كانت طائفة من المسلمين شوهوا الإسلام وأساءوا إلى المسلمين بجهلهم، وعدوانهم على الناس بما فيهم المسلمون أنفسهم.
وما يدهش ويثير العجب والغرابة، ما نرى عليه عامة المسلمين، ونظمهم إلا من رحم ربك من صمت رهيب، وحيرة غريبة، صمت أهل القبور، كأنه لم يقع ما يدعو للنطق، ولا يدفع إلى اتخاذ موقف يشرف ويرفع الذل والهوان، ويدل على العزة والكرامة.
فأين عزة المؤمن، وكرامة المسلم؟ “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين” هل هذا الذي يقع في المسجد الأقصى به راضون؟ وكذلك عنه ساكتون لا ينطقون؟ فأين سمع منظمة التعاون الإسلامي، وأبصارها وأفئدتها؟ أم أنها فقدت مشاعرها وغيرتها على معتقد من عقائد المسلمين، ومعلم من معالم التوحيد ومشاهده، والقبلة الأولى والمسرى والمعراج، والعهدة العمرية، وميثاقه مع إخواننا النصارى المضطهدين اليوم في فلسطين مع المسلمين؟
وأين جامعة الدول العربية؟ أم هي مشغولة بالحروب فيما بينها؟ يفعلون بأنفسهم ما لا يفعل العدو بعدوه؟ وأين هذا المجلس؟ مجلس التعاون الخليجي وما هو بتعاون؟ وأين الاتحاد المغاربي وما هو باتحاد؟ إنها أسماء لا مسميات لها ولا مضامين.
أين ثورة الجزائر التي لا ترضى الهوان لأهل فلسطين، وتؤيدهم ظَلموا أو ظُلموا، وما نراهم إلا مظلومين مقهورين.
إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على طريق الثائرين الجزائريين سائرة، لا تخذل ما ساروا عليه، وآمنوا به، فأصدرت بيانان وهل تغني البيانات؟ ولكن من جهد المقل، ولا ترضى الصمت، وتنادي الأمة الإسلامية في العالم أن تقوم بواجبها الإنساني الديني، ونحن لا شأن لنا بالتورط في السياسة ومشاكلها، ولكن يهمنا الشأن الإنساني، الديني الإسلامي، الذي لا نرضى أن يمس بسوء ولا أن يهان، ولا أن يسكت عنه سكوت الموتى، لذلك سارت الجمعية على نهج بن باديس وأعضائه في الاهتمام بقضية فلسطين، ونشطت في سبيل إغاثة سكانها، وخاصة سكان غزة المحاصرة، التي أخذ الحصار يشتد عليها يوما بعد يوم.
يا سكان بيت المقدس، أيها المرابطون المدافعون عن كرامة الأقصى المبارك وقدسيته، القائمون وحدكم للدفاع عنه وعن كرامة المسلمين في العالم، نيابة عنهم، إنكم شرفتم وإن غابت كثير من الأصوات عنكم، وخذلتكم أصوات أخرى مخذولة ذليلة يطلب منها رئيس العصابة “نتنياهو” أن تجعل الفلسطنيين يهدأون ويسكتون عن جرائمه وعدوانه، إنها لمهزلة هذا الزمن وهوان المسلمين على الناس، وتواطؤ بعض نظم العرب مع الصهاينة، والتقرب منهم، ليفتحوا لهم أبواب أمريكا لتحميهم، ومساعدتهم على جلب المرتزقة، ليحرسوا سلطتهم، ويحاربوا بهم في اليمن وغيرهم مثل بلاك ووتر، وغيرها من المرتزقة المغامرين من أمريكا وأوروبا وجنوب أمريكا.
إن هذا استنجاد بالعصابات والمرتزقة الذين فشلوا في العراق وارتكبوا الجرائم في حق العراقيين، فطردوا منها، ثم تبرؤهم جهات أخرى في بلاد العرب، وتعتمد عليهم.
إننا نقول للمسلمين في مشارف الأرض ومغاربها، أن لا تسكتوا عما يجري في المسجد الأقصى وأكنافه، وتدبروا أمركم وجددوا أنفسكم، وأساليب دفاعكم عن مقدساتكم، وعن كرامتكم، وأقلعوا جذور المتطرفين العمي الصم من مجتمعاتكم، واقضوا على من يدعو للطائفية والمذهبية تعصبا وغلوا في الدين، واقطعوا جذور المنحرفين، وتأويل الجاهلين، وحرفية الحرفيين، فإن الإسلام وسط وامتداد وخير، وأمن، وسلام، وطمأنينة للنفوس، وإيقاظ للعقول من أن تضل، أو تنحرف عن الحق، والصراط المستقيم الذي لا عوج فيه، وعلى شباب المسلمين أن يجدد منهجه، وأن يسلك مسلك التمكن من العلم والتقنية، ومكارم الأخلاق ومحاسنها، فبذلك يدخلون التاريخ من جديد بأمتهم ويصنعون الحضارة التي تحفظ كرامتهم بين الأمم.