في معنى التكريم ودلالاته …/ حسن خليفة
تحتفي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، مع أطياف متعددة من المجتمع الجزائري بعَلمين بارزين من أعلام الأدب والثقافة والدين والوطنية، في بلادنا، في هذه الأيام الطيبة (في 26 جويلية الجاري، في صيغة ربما تكون سابقة من السوابق النبيلة؛ وهي صيغة التكريم المجتمعي المتعدد المتنوع الأطياف، الخالص الخالي من أي شوائب؛ فالمكرّمان (بفتح الراء) والمكرّمون (بكسر الراء) من أبناء الثوابت والمنافحين عنها، وهو ما يجعل لهذا العمل النبيل معنى سائغا جميلا ذا عائد معنوي كبير على المجتمع الجزائري كله، في هذا ظل مظاهر الردة الحضارية والارتداد عن القيم الوطنية النبيلة.
وما يحسُن الالتفات إليه في هذه المناسبة هو أن التكريم “مجتمع” أي من المجتمع برمته، على تعدّد وتنوّع شرائحه ومشاربه، التقى في دائرة أكبر وهي دائرة جمعية العلماء، وحقل واسع هو حقل الإسلام الجامع، وإن كان للجمعية حضور نوعي؛ فلأن للمكرّمين صلات وثقى بالجمعية انتسابا وانتماء، وسعيا للتأصيل وعملاً على الاستمرار في صناعة الخير والمعروف والدعوة إلى الله والإصلاح، وهو جزء ممّا يُعرف به الشيخان الكريمان محمد الهادي الحسني ومحمد صالح ناصر. ولعله من المفيد الوقوف على بعض دلالات هذا الحدث الذي نرجو أن يستمر ويتعمّق حتى يصير تقليداً علمياً وثقافياً وفكرياً ودينياً منتظماً، في مجتمعنا الجزائري، يعمل على لفت النظر إلى أعلام الأدب والثقافة والدعوة والدين والأخلاق والعمل الصالح الممتد.
من الدلالات كما نقرأ ذلك من الحدث:
ـ إعادة صياغة مفهوم “التكريم” وإيجاد تطبيقات مناسبة وسليمة له، فمفهوم التكريم المستوحى من الآية الكريمة التي تشير إلى تكريم الله تبارك وتعالى للبشر (وَلَقَدْ كَرمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا) [الإسراء 70]
تشير الآية إلى إعطاء هذا الكائن ما يستحقه ككائن حي متميز ومخلوق خاص إن صحّ التعبير. وينبني التكريم على خصائص هذا المخلوق الاستثنائي من مخلوقات الله تبارك وتعالى، وما آتاه –سبحانه- من خصائص وفضائل ومميزات. وهو ما ينبغي الانتباه إليه باستمرار باعتداد التكريم خاصا بالإنسان، بقطع النّظر عن أي أمر آخر.
ـ إعادة الاعتبار لحقيقة التكريم ولمن يجب على المجتمع تكريمهم؛ فإنَّ هذا الأمر يكاد يقتصر على ألوان وأشكال من البشر لا صلة لهم بالفضائل والعطاء والتضحية وتقدّم الأمم، بشر ليس لديهم عطاء يذكر في ميادين البذل والتربية والنهضة، ممن لهم أكبر الأدوار في تعفين المجتمع وإفساده وتشويه ذوقه والإساءة إليه، بكل معاني الإساءة، إضافة إلى غلبة المجاملات والمحاباة والوسائط المفسدة لهذه القيمة الاجتماعية النبيلة (التكريم).
ـ إن من شأن التكريم هو تعزيز خصلة الوفاء في النفوس، لتكون قيمة مضافة تعتز بها الأجيال من خلال اعتزازها واعترافها بالبناة الذين صنعوا جزءا من بنيانها ومجدها.
ـ من شأن التكريم أيضا غرس هذا المبدأ الأخلاقي التربوي الديني (ولقد كرّمنا بني آدم..) في العقول والأذهان ورفع رأسمال الاعتزاز بالخُلّص الذين أعطوا من حياتهم وجهدهم ووقتهم ما يستحق التقدير فعلا، فضلا عن الجزاء الأوفى المنتظر عند الله تبارك وتعالى، بوصفهم من الذين تركوا للأجيال صدقات جارية.