مقصد الحرية والحَراك الشعبي/ أ. نور الدين رزيق
يتساءل بعض الناس عن مشروعية هذا الحراك الشعبي، وهذا هو الحق أن حركات المسلم ينبغي لها من تأصيل شرعي.
اتفق أهل الأديان السماوية وعقلاء بني آدم على أن أهم ما يصلح به حال البشر حفظهم لأمور كلية خمسة هي ما يطلق عليه الكليات الخمس (الدين، والنفس، العقل، النسل، المال).
وقد ألف علماء الإسلام في هذا الموضوع منهم على الخصوص: الشاطبي في كتابه الموافقات الذي تطرق فيه إلى مباحث تعتبر اللبنة الأولى في علم المقاصد مشيراً إلى أهميتها بالنسبة للفقيه.
كما ألف الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي: كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية حيث وضع فيه أسس علم مقاصد الشريعة ومبادئه، وهو ثاني كتاب من حيث الأهمية بعد الموافقات للشاطبي، حيث قال الشيخ بن عاشور وهو يتحدث عن علم أصول الفقه:”هناك خبايا في بعض مسائل أصول الفقه أو في مغمور أبوابها المهجورة هي حرية بأن تعد في علم المقاصد” و”استواء أفراد الأمة في تصرفهم في أنفسهم مقصد أصلي من مقاصد الشريعة وذلك هو المراد بالحرية ولذلك وقع التأكيد على القضاء على العبودية لأنها ضد الحرية”.
والحرية أساس الاعتقاد ومناط الأفعال، قال تعالى:﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾(البقرة/256)، وقوله تعالى:﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾(النحل/106)، وقوله صلى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه” (ابن ماجه)، وكل هذا يعني أنه لا دين للمكره ولا حساب له.
والحرية تعبير أصيل عن فطرة الإنسان الذي خلقه الله وكرمه:﴿وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ وَحَمَلناهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقناهُم مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلناهُم عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقنا تَفضيلًا﴾(الإسراء/70).
ويقول الشيخ ابن عاشور: والشرع يؤكد على أن الحرية تجري في الاعتقاد والعمل، فحرية الاعتقاد وحرية العمل تعني أن الداخلين تحت الحكومة الإسلامية متصرّفون في أحوالهم التي يخوّلهم الشرع التصرف فيها غير وجلين ولا خائفين من أحد.
الحرية حق من أهم حقوق الإنسان وتعبير عن كرامته وليست منّة وهي مقصد عظيم من مقاصد النبوة والدين﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ﴾(الأعراف/157)، التحرر من نار الاستبداد.
إن هذا الحَراك الشعبي أراه حقق هذا المقصد وهو الحرية في مجالات شتى:
- حرية الرأي والتعبير وهو أمُّ الحريات، ويتجلى في التعبير عن الرأي تعبيراً حراً بمختلف وسائل التعبير، من كتابة، وخطابة، وإنتاج فني وتواصل رقمي: وهي مظهر الحرّيات الاجتماعية التي يتجاوز الأفراد لتشمل غيرهم، مثل تكوين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وجمعيات ثقافية وفكرية، وحرية الحصول على المعلومات اللازمة لإبداء الرأي.
فتحرر الصحفي وتحرر القاضي وتحرر حتى المسؤول السامي حيث أظهروا مدى التسلط والاستبداد الذي كان يمارس عليهم فكشف مثلا مسؤولوا البنك الجزائري وخبراء المال أنهم كانوا ضد سياسة طباعة النقود (6000 مليار دينار) والتي انتهجتها الحكومة ممثلة في وزيرها الأول.
وأصبح التصريح دون تلميح للقروض التي أخذت من البنوك العمومية دون ضمانات مادية منذ سنين ولم تسترجع هذه القروض التي قدرت بنحو 60 مليار$ وغيره كثير من القضايا.
- حرية الإبداع الأدبي والفني:
يتمثل في أجناس الأدب المختلفة من شعر وسرد قصصي وروائي ومسرح وفنون تليفزيونية في جملتها تستهدف تنمية الوعي بالواقع وتثقيف الحواس الإنسانية وتوسيع مداركها وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع، كما تقوم بنقد المجتمع أحيانا والاستشراف لما هو أرقى وأفضل منه، مع مراعاة القيم الدينية العُليا والفضائل الأخلاقية وتعبير صادق عن ثوابتهم ومتغيراتهم.
هذا مقصد شرعي تحقق من جملة مقاصد شرعية أخرى وإن كان لي تحفظ على بعض المظاهر السلبية وكلمات لا يرضى بها سليم الفطرة فما بالك بالمتدين والملتزم وقد سمي حَراك شعبي!!