أولغاشية جزائرية أفسدت التاريخ/ جمال نصرالله
الأوليغارشية هذه والعياذ بالله داء حضاري خبيث وفتاك…وورم لا يمكن استئصاله إلا بيقضة الجميع وتضافر جهودهم وكذا امتلاكهم الحس الإنساني لأجل تسخير كافة الامكانيات اللازمة…لأنها أي الأولغارشية لا تقبلها أو تستسيغها الأعراف وكل الديانات بحجة أنها تعني طغيان زمرة أو طائفة على باقي الأغلبية من البشر
تتنعم بكل ما هو أفضل وتعيش في أريحية لا مثيل لها. زيادة أنها تتعالى في أبراج عالية وتعمل على احتقار الأغلبية والاستخفاف بمصيرها…وبمفهوم سوسيولوجي آخر فهي تتقلص رويدا رويدا لتصبح في آخر المطاف أوليغارشية ملتصقة ومُختصرة في الفرد الواحد. وطبعا هنا تتغير أوصافها لتصبح كالإقطاعية والاستبداد والتجبر؟!. ومرادنا من هذا التعريف هو أن بلدا من مثل الجزائر عاش هذا النوع من الظاهرة التي حكّمت سطوتها زهاء الربع قرن لتنتهي في آخر المطاف نهاية أقل ما يقال عنها ناعمة أي أنها خرجت من الباب الواسع دون حدوث أكبر الأضرار، لكن أقلها سيكون بالتأكيد وخيما على أذرعها وزبانيتها ممن تمتعوا لسنين طويلة بفائض من الأرباح والامتيازات . هذا المفهوم الذي تم ذكره لم يكن جديدا على الشعوب فهو قديم قِدم البشرية عاشته الأوطان الاغريقية واليونانية وحتى القبائل العربية الكبرى وتم رفضه والثوران عليه في كذا من مرة، لأن جوهره دائما وأبدا كان ضد العدالة الاجتماعية وضد تكافؤ الفرص وتوزيع الثروات والغنائم بإنصاف وإحقاق، وهذا إن دل على شيء إنما دل دائما وأبدا على نزعة الإنسان المرضية في محاولة منه إلى عشق السلطة وإحاطة نفسه بهالة من الامتيازات التي تمكنه من الخلود والبقاء أبد الدهر دون وضع حساب أن هنالك عدالة تاريخية إن لم نقل ربانية وتقلب عليه وعلى حاشيته الأوضاع من حيث لا يدري وفي زمن لا يقدم استباقات احترازية. القصص والوقائع التاريخية تذكر لنا نوعا من هؤلاء وما فرعون وهتلر وموسيليني وصولا إلى بن علي في تونس وقذافي ليبيا ومبارك مصر إلا أمثلة حية بل عِبر وُجدت على أرض الواقع وممر الأحداث لتكون خير الأدلة عن أن حكم العائلات المتستر أي غير العلني حبل كذبه قصير، وأنه وجب على الأنظمة الجمهورية أن تكون صريحة وشفافة في تعاملها مع قيمها ومبادئها التي خلصت إليها في الدساتير وإلا فهي في نظر التاريخ خائنة ومتلاعبة بالمواثيق وما تم الاتفاق والإمضاء عليه… الجزائر عاشت كل هذا ولكن كما قلنا بألوان أخرى مغايرة ومختلفة… لكن القاسم المشترك بينها هو النهاية الدراماتيكية التي ذهب بها النظام البوتفليقي وسقوط العناصر التي استفادت إبان فترة حكمه من كثير من الامتيازات بطرق ملتوية، ولو قيل لأحد إبان صعود بوتفليقة في أول منبر وهو يخاطب الشعب عام 99 بأن مصيره سيكون إحدى الفصول من الأوليغارشية التي تعيد وتكرر نفسها أو بتعبير آخر إحدى ورقات من سجله ما صدقنا أحدا، لكنها للأسف كانت المصير المحتوم والحقيقة المُرة التي لم يهضمها لا بوتفليقة ولا أحد ممن التفوا حوله…والخيبة الكبرى أنه ولا أحد يريد أن يهضم الدرس السابق، لأنه الخوف كل الخوف أن نظل قرونا ونحن نناهض هذه الظاهرة البائسة التي أفسدت المجتمعات والأمم ونخرتها كالدودة في جسم تفاحة نقية خضراء؟! خوفنا أن تنهض الأوليغارشية ولكن هذه المرة في ثوب جديد كطائر جارح كلما تم القبض عليه وسجنه في قفص…إلا وعاد للتحليق بحرية. والعبث مجددا في تاريخ جيل يريد محو آثاره ونسيانه إلى الأبد؟!
شاعر وصحفي جزائري