أحكام العبادات بين العزائم والرخص والكفارات/ محمد مكركب
الأصل أن المسلم المقيم الصحيح القادر على الصيام بلا ضرر ولا مشقة، فصوم رمضان فرض واجب عليه، وإذا أفطر متعمدا فقد أخلّ بأحد أركان الإسلام، وكان من الفاسقين، وحسابه على الله تعالى. إلا أن الله الرحمن الرحيم رخص للمسلم في المرض والسفر والمشقة، أن يفطر ويقضي، فالمريض والمسافر، يباح لهما الإفطار مع وجوب القضاء، ولو كان السفر في البحر أو البر أو الطائرة أو السيارة أو الحافلة. والمرض غير محدّد بل هو متروك للشخص يقدره، لأن المريض هو أعلم بما يشق عليه. قال الله تعالى:﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾(البقرة:185).
ما هي المسافة التي يجوز فيها للمسافر أن يفطر إن كان صائما، أو يقصر الصلاة؟ المسافة هي أربعة برد، ومسافة أربعة برد ما يساوي نحو (83 كلم) ذهابا.
وهل يجب على المسافر أن يفطر ويقضي، أم أنه إن صام صح منه ذلك؟ ورد في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:[سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بإناء فيه شراب، فشربه نهارا ليراه الناس، ثم أفطر حتى دخل مكة] قال ابن عباس رضي الله عنهما: فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر. فلا يعاب على من صام، ولا على من أفطر. من صام له الأجر ومن أفطر ثم قضى فقد أخذ بالرخصة فله الأجر.
هل الصوم أفضل للمسافر أم الفطر؟ الصوم أفضل، إن لم يتضرر، ويجب على المسافر الفطر ويحرم عليه الصوم في حال الضرر. ودليله أن الصوم أفضل للمسافر، قول الله تعالى:﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (البقرة:184) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه. والرخصة للشيخ الكبير والشيخة المسنة إن أدركهما الهرم وكان الصوم يشق عليهما فيجوز لهما أن يفطرا ويطعما عن كل يوم مسكينا. ومقدار الإطعام ما يكفي مسكينا لفطوره وسحوره من غالب قوت أهل البلد، ومقداره من القوت مُدٌّ، والمد بالوزن{675غرام} رطل وثلث. ويجوز أن يعطي الفقير قيمة الأكل نقودا. والرخصة للحامل والمرضع إذا وجدتا مشقة أو خافتا المضاعفات من الصوم. فإذا حل رمضان وكانت المسلمة حاملا أو ترضع فإنها تفطر وبعد أن تضع حملها أو بعد أن تفطم ولدها، تقضي الأيام التي أفطرتها أيام رمضان. وفي الحديث:[ إِنَّ اللهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنِ المُسَافِرِ الصَّوْمَ، وَشَطْرَ الصَّلَاةِ، وَعَنِ الحَامِلِ أَوِ المُرْضِعِ الصَّوْمَ أَوِ الصِّيَامَ](الترمذي.715).
الرخصة فيمن أصبح جنبا، أي أدركه الفجر وهو جنب، أي كان قد جامع قبل الفجر. فعليه أن يغتسل للصلاة وصومه صحيح. فعن عائشةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم،[يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ، مِنْ غَيْرِ حُلُمٍ، فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ](مسلم.1109) أي: يصبح جنبا من جماع، لا من حُلُمٍ، ثم لا يفطر ولا يقضي. ومن احتلم نهارا من نوم فليغتسل للصلاة وصومه صحيح. ويحرم على الصائم جماع زوجته نهار رمضان، كما لا يجوز له القبلة الحميمية والمداعبة الشهوية.
كفارة من جامع زوجته في نهار رمضان. عليه أن يصوم شهرين متتابعين، سوى يوم القضاء. فإن لم يستطع يطعم ستين مسكينا. وفي الحديث. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكت، يا رسول الله، قال:[وما أهلكك؟] قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال:[هل تجد ما تعتق رقبة؟]قال: لا، قال: [فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟] قال: لا، قال: [فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟] قال: لا، قال: ثم جلس، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال:[تصدق بهذا] (مسلم.1111).
أعمال وضرورات لا تفسد الصيام: فَمِمَّا لايفسد الصوم والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم. الحقن كلها لا تفسد الصوم بما فيها التحاميل، وأقماع البواسير، شم العطور، القيء فمن غلبه القيء فلا شيء عليه، قلع الضرس والفصد، والرعاف، ومعالجة الجروح، الاكتحال وعلاج العين بالدهن والقطرة في العين والأذن للعلاج. والسباحة، وابتلاع الريق، وغربلة الدقيق وغبار الطريق، ومعجون الأسنان، وبخاخ ضيق التنفس، والتبرع بالدم للضرورة، وذوق الطعام عند الطهي بالنسبة للطباخين، المضمضة والاستنشاق بالماء، ابتلاع ما بين الأسنان من بقايا طعام قد يبقى بعد التنظيف والحرص، والحجامة كذلك لا تفطر، التعرض للفحوص الطبية، ما لم يشرب دواء عن طريق الفم، فكل دواء يُبْتَلَعُ عن طريق الفم فهو مفطر، ووجب على من تناول الدواء شربا في نهار رمضان أن يقضي.
ومما يفسد الصوم: الجماع وقد بيناه أعلاه، ومن أكل شيئا أو شرب قاصدا غير ناس ولا مخطئ ولا مُكرَه. فهو نوعان: إذا أكل أو شرب من جوع أو من عطش، فعليه القضاء ولا كفارة عليه. وكذلك إذا أكل معتقدا الغروب ثم تبين الغلط أن الشمس لم تغرب، أو معتقدا بقاء الليل ثم تبن له طلوع الفجر، فإنه يمسك ويقضي. والله أعلم، وهو العليم الحكيم. وإذا أكل متعمدا من غير اضطرار فقد أثم وعليه الكفارة صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا. والله أعلم، وهو العليم الحكيم.
ما حكم الحائض والنفساء في رمضان؟.1 ـ فلا يحل للحائض والنفساء أن تصوم، فإن صامت لا ينعقد صيامها، فإذا حاضت المرأة أو نفست في رمضان يجب عليها الفطر، مادام دم الحيض نازلا، أو دم النفاس، وتقضي ما فاتها من أيام الحيض والنفاس بعد رمضان. 2 ـ ولا يحل للحائض والنفساء الصلاة، ولكنهما لا تقضيان الصلاة بالنسبة للأيام التي كانت فيها حائضا أو نفساء. 3 ـ يحرم وطء الحائض والنفساء حتى تطهرا من دم الحيض أو دم النفاس، عملا بقول الله تعالى:﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾(البقرة:222). 4 ـ ولا يجوز للحائض والنفساء والجنب قراءة القرآن تعبدا، ولا مس المصحف. ولا دخول المسجد ولا الطواف بالبيت الحرام. ومدة الحيض والنفاس غير محددة بأيام معلومة وإنما حسب ظروف المرأة فالمبتدئة التي تحيض لأول مرة تمكث مادام الدم ينزل عليها إلى أقصى أمده وهو خمسة عشر يوما، فإذا طهرت في خمسة أو ستة أيام مثلا فتصبح تلك عادتها. والنفساء أيضا متى انقطع الدم بعد الولادة وطهرت تغتسل وتصلي وتصوم وتعمل ما كان محرما عليها، وأقصى مدة دم النفاس ستون يوما وهذا أبعد أجل في حالة استمرار نزول الدم متواصلا. وهنا تنبيهان: الأول: على الأمهات أن يعلمن بناتهن عند مقاربة البلوغ بطريقة تحصين المتلقي، فترشد الأم ابنتها إن حدث لها كذا وكذا، أن تفعل كذا وكذا، ولا تتركها حتى تتفاجأ بنزول الدم، وأن تعلمها سنن الفطرة وآداب الإسلام في التعامل مع الجسد، مع خلق الحياء في استعمال الكلمات الأدبية مع أفراد العائلة، كأن لو سألها أبوها: هل صليت؟ ولو قال لها: ناوليني المصحف؟ ماذا تقول؟ وأن تعلم الأم ابنتها بأن لا تفشي سر حالتها الفطرية وظروفها لزميلاتها أو إخوتها، وأن لا تتحدث عن جسدها وأسرارها إلا لأمها. الثاني: النساء اللائي يردن استعمال دواء تأجيل الحيض، فلابد من استشارة الطبيبة الخاصة لهن، فإن كان الدواء طبيا يصلح لهن جاز من الجانب الشرعي. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
هل يجب الإمساك على من زال عذره الشرعي بعد الفجر نهار رمضان؟ لا يجب عليه الإمساك، بل يجوز له مواصلة الفطر. فالحائض والنفساء إذا طهرتا، والمسافر إذا حضر، والمريض إذا شفي، والصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم بعد طلوع الفجر لايلزمهم الصوم ذلك اليوم، فهم ليسوا كمن زال عذره قبل الفجر فإنه يمسك وجوبا ويصح منه ذلك اليوم. وفي المدونة: قال: قلت:{ أرأيت إن طهرت امرأة من حيضتها في رمضان في أول النهار وفي آخره، أتدع الأكل والشرب في قول مالك بقية نهارها؟ قال: لا ولتأكل ولتشرب، وهذا قول مالك. قلت: فإن كانت صائمة فحاضت في رمضان أتدع الأكل والشرب في قول مالك في بقية يومها؟ فقال: لا. قلت: وهذا قول مالك؟ قال: نعم} وفي الرسالة للإمام القيرواني: {وإذا قَدِم المسافرُ مُفْطِرا أو طهرت الحائض نهارا فلهما الأكل في بقية يومهما} والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
1 ـ هل يجوز للحامل والمرضع الفطر في رمضان؟ يجوز للحامل والمرضع إذا شق عليهما الصوم أن تفطرا، وبعد زوال العذر تقضيان ما أفطرتاه في رمضان. ومن فرط في قضاء رمضان حتى دخل عليه رمضان آخر وجب عليه القضاء والإطعام معا. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.