خطـــــوة فــي اتجـــــاه الـحــــل/ التهامي مجوري
تمر بلادنا هذه الأيام بمازق سياسي، كما أشرنا إلى ذلك في حديث سابق، وليس مجرد أزمة يمكن تجاوزها بسهولة وبساطة، بسبب تشعبها، وتراكم المظالم والخروقات الرسمية والشعبية.
ويتمثل هذا المأزق في تشابك الكثير من القضايا وجزئياتها ببعضها البعض، واختلاف الأطراف السياسية والاجتماعية في تشخيصهم للمأزق، وتحالف قوى الشر على البلاد ومصالحها، وتنازع القدرة العسكرية مع الإرادة السياسية، ناهيك عن دخول الأجهزة الأمنية على الخط باحتكاكها الجماهير المتظاهرة، وما وقع في يوم الجمعة الماضي –بالنفق الجامعي-، اكبر دليل على السير في طريق التعفن، الذي تنتجه المآزق السياسية، حيث تعرض الشعب لأحداث عنف، ويضاف إلى كل ذلك محاولة معالجة الأزمة -وهي سياسية- بآليات أخرى غير سياسية، بسبب غياب أو تغييب الجهة او الجهات المُطَالبة بالحل، والقائم على الحل ليس من أهل الاختصاص…
على أن الحراك الذي تعيشه البلاد لأكثر من ثمانية أسابيع، بعباراته وشعاراته ونداءاته، أفضل معبر عن طبيعة هذه الأزمة وبعدها السياسي. فالمتظاهؤون مثلا، لم يطالبوا بالخبز أو العمل أو السكن، أو غير ذلك من المطالب الاجتماعية، التي تحرك المجتمعات عادة، وإنما طالبوا ويطالبون بتغيير النظام السياسي، وطالبوا ويطالبون بمحاربة الفساد المالي والسياسي، وطالبوا ويطالبون بتجاوز الذهنيات التي تحكمنا منذ أكثر من خمسة عقود، وذلك بترديد عبارات مختلفىة ومتنوعة، كمطالبتهم باستبعاد أسماء معينة من الواجهة السياسية للبلاد، ومنهم على وجه الخصوص: بن صالح، وبلعيز، وبدوي، فيما اصطلح عليه بـ»الباءات الثلاث»، وإدانة المسؤولين عموما واتهامهم بالضلوع في الفساد المالي والسياسي، كقولهم «كليتو لبلاد يا سراقين»، ودعوة صاحب القرار إلى التخلص من الهيمنة الغربية، التي لا تزال تُلقي بظِلالها وضَلالها على البلاد، كالنفوذ الفرنسي وذيوله المتجذرة في دواليب السلطة وخارجها، التي تمثل الخطر الحقيقي على البلاد ومستقبلها، وبرفع لافتات معبرة عن ذلك كقولهم «نحن أبناء باديس ولسنا أبناء باريس»، وقولهم «نحن نوفمبريون»، «لا للفدرالية»، «لا للجمهورية الثانية»، «الجيش الشعب خاوة خاوة» …إلخ، كل هذه العبارات واللافتات تعبر عن مطالب سياسية، وبوعي تام لطبيعة هذه المطالب وما يترتب عنها من مكاسب سياسية اجتماعية يتطلع الشعب إلى تحقيقها.
والجهة التي يفترض فيها القيام بوضع الحلول لهذا المأزق، هي الطبقة السياسية أو النخب الاجتماعية والثقافية المدنية، ولكن بحكم أن هذه الطبقة وتلك النخب، قد «شيطنها النظام»، وشكك الناس فيها وفي صدقيتها، بحيث أصبحت مرفوضة جماهيريا. واكبر شاهد على ذلك، ان الحراك الشعبي السلمي، لم يبد تقبلا لأي سياسي عرض نفسه على الحراك أو ظهر في أوساطه…؛ بل إن الرفض قد طال الكثير من النخب التي لم تعرف يوما بغير المعارضة للنظام.. ومع ذلك لم يحرب بها الحراك.
والنظام أيضا بدوره لم يعمل على تثمين الطبقة السياسية وتنشيطها للمساهمة في الخروج من المأزق، سواء باعتبارها معارضة له، أو لأنها ضعيفة لا تستجيب لمتطلبات المرحلة. أما غير الطبقة السياسية المهيكلة، فلم يظهر صوت إلى الآن يحمل مشروعا يمكّنه من القيام بما يجب مما تفرضه المرحلة من إجراءات.
في هذا الواقع، يبدو أن تبني الجيش الوطني الشعبي الحل الدستوري بحذافيره، انطلاقا من المادة 102، وما انبنى عليها من إجراءات، لا تستجيب لمتطلبات الواقع السياسي؛ بل ربما تزيد الأمر تعقيدا وتعفنا –لا قدر الله-.
لا شك ان الجيش غير مسموح بالقيام بفعل سياسي؛ لأن مهامه الدستورية ذات طابع غير سياسي، وربما لهذا السبب تعلق بظاهر الدستور، ولكن هذا التعلق بظاهر الدستور لا يحل المشكلة؛ لأن طبيعتها سياسية ولا تحل إلا سياسيا، ومن ثم فالمطلوب من المجتمع المدني وحتى الطبقة السياسية، ان يبادروا بعروض سياسية قوية، لرفع الحرج عن الأمة من ناحية، ومن ناحية أخرى ليبقى الجيش بمنآى عن الخوض في المسائل السياسية، حفاظا على الميدان السياسي، وعلى إبقاء الجيش في مهامه الدشتورية.
على أن ينطلق الحل وجوانبه الإجرائية، من المواد 7، 8، و12، التي هي المرجع الأساس في الحالة التي نعيشها؛ لأن هذه المواد هي التي تنص على سيادة الشعب، وعلى علاقة هذه السيادة بالسلطة التي لا تستمد شرعيتها من الشعب.
وبحكم ان هذه المواد الدستورية تفتقر إلى آليات لإنزالها إلى الواقع، لا بد من ظهور حركة سياسية شعبية قوية، تبرز وكأنها ممثلة للمطالب الشعبية، فتتقدم بمشروع سياسي توافقي، تظهر فيه شخصيات جديدة وبرامج مبدعة وإجراءات عملية، تتبناها السلطة وتعمل على إدراجها في برامجها الإصلاحية، او تكون بديلا أقوى..، لتنطلق البلاد في التأسيس للشرعية المفقودة…