كيف يفكر الأمريكيون في الربيع؟/ د. علي حليتيم
في مقال جماعي لباحثين أمريكيين
Andrey V. Korotayev, et al. “The Arab Spring: A Quantitative Analysis.” Arab Studies Quarterly, vol. 36, no. 2, 2014, pp. 149–169.
يعترف الكاتبون أن التحليل الكمي لأحداث الربيع العربي مهمة صعبة إلى حد ما.
وترتبط الصعوبات حسب هؤلاء الباحثين بمجموعة متنوعة من العوامل التي تؤثر على عدم الاستقرار الاجتماعي، والخصائص الفردية للعمليات التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المنطقة.
خلص البحث أن عمليات زعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي في بلدان الربيع العربي كانت ناتجة عن مجموعة معقدة من العوامل. تبين أن أهم العوامل التي سعت إلى تقليص حجم زعزعة الاستقرار السياسي – السياسي خلال الربيع العربي هي ما يلي: قدرة الحكومة على الحد من التوترات الاجتماعية ووجود “حصانة” للنزاعات الداخلية.
ويقول هؤلاء الباحثون إنه تبين لهم أن بعض المؤشرات المهمة في سياقات أخرى مثل الخصائص الهيكلية والديموغرافية والتأثيرات الخارجية أقل أهمية في سياق الربيع العربي.
تجدر الإشارة إلى أن مؤشر التأثيرات الخارجية يزداد – حسب البحث – بشكل ملحوظ عند استخدام نموذج لحساب عدد القتلى الناجم عن الاحتجاجات المناهضة للحكومة ( يؤدي هذا المؤشر إلى اعتبارا التدخل الأجنبي في الحالة السورية والمصرية قويا جدا وفي الحالة المغاربية ضعيفا جدا، لكنه لا يقيس مدى خضوع الحكومات للقرار الخارجي).
ويناقش الباحثون أيضًا إمكانية تطبيق النموذج المتطور لزعزعة الاستقرار الاجتماعي السياسي للتنبؤ بالاضطرابات الاجتماعية والسياسية في المستقبل.
أما أهداف البحث فقد اختارها الباحثون بعناية وهي:
- استخراج العوامل الرئيسية لزعزعة الاستقرار الاجتماعي السياسي.
- التقييم الكمي لعوامل زعزعة الاستقرار.
- تطوير مؤشر متخصص لتقييم الوضع الحالي وتوقع مستويات عدم الاستقرار الاجتماعي في العالم العربي.
ويعتمد البحث أساسا التحليل الاستكشافي الذي يهدف لتحقيق –حسبهم- الأغراض التالية: تحقيق الحد الأقصى من “اختراق” البيانات، تحديد الهياكل الرئيسية، اختيار أهم المتغيرات، وكشف الانحرافات، والتحقق من الفرضيات الرئيسية، وتطوير النماذج الأولية.
ويلاحظ الباحثون في هذا الصدد أنه من المهم ملاحظة أن الدراسة الأولية للبيانات ليست سوى الخطوة الأولى في عملية التحليل، حيث يجب تأكيد النتائج في عينات أخرى أو مجموعات مستقلة من البيانات.
علينا أن نعترف أن هذا الذي ذكره الباحثون يشكل واحدة من الفروق الجوهرية بين التفكير الرياضي الغربي الذي يرصد ويحسب ويقيم الحساب ويعيده وبين تفكيرنا المبني على الأدب والشعر والعواطف والعموميات، لأن تحليل البيانات الذي هو من كبرى نتائج الحضارة الحديثة هو عملية فحص وتطهير وتحويل ونمذجة للبيانات التي غدت من كثرتها فوق طاقة العقل البشري للاستيعاب فيصبح التحليل هو السبيل الوحيدة لاكتشاف معلومات مفيدة وإبلاغ الاستنتاجات ودعم اتخاذ القرارات.
إن تحليل البيانات له جوانب متعددة وأساليب مختلفة تشمل تقنيات متنوعة تحت مجموعة متنوعة من الأسماء، ويستخدم في مجالات تجارية وعلمية واجتماعية مختلفة تؤدي كلها إلى التشخيص السليم واتخاذ القرار الأصوب وتوقع النتيجة الأقرب إلى الواقع.
ولقد بدأ الباحثون تقييمهم للقضايا المنهجية – كما هو الحال في سائر البحوث العلمية – من خلال تحليل لنتائج البحوث التي أعدتها فرقة العمل المعنية بعدم الاستقرار السياسي Political Instability Task Force – وهو مشروع بحثي تم إنشاؤه عام 1994 بدعم من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية. كان الهدف الرئيسي من عملها هو إنشاء قاعدة بيانات للنزاعات الداخلية الرئيسية التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار الدولة، وتحليل مؤشرات عدم الاستقرار السياسي من 1955 إلى 2005. ومع مرور الوقت، بدأت مجموعة العمل في دراسة ليس فقط حالات الدول المنهارة، ولكن أيضا النزاعات العرقية، والإبادة الجماعية، والتغييرات الراديكالية للنظم، ونمذجة التحول الديمقراطي democratic transition modeling.
تشمل المتغيرات التوضيحية المستخدمة في المشروع المشار إليه أعلاه ما يلي: المؤشرات الاقتصادية (الناتج المحلي الإجمالي GDP، التضخم، التجارة الخارجية، إلخ، وكذلك المؤشرات المتعلقة بالبيئة)، المتغيرات الاجتماعية والديموغرافية (النمو السكاني، الوفيات، إلخ) ، والمتغيرات السياسية (التمييز العرقي، ومستوى الديمقراطية، وما إلى ذلك). وبالتالي، فإن أحد استنتاجات الخبراء في فرقة العمل هو التأكيد على أن الديمقراطيات الجزئية ذات المشاركة المتدنية في التجارة الدولية وارتفاع معدل وفيات الرضع هي الأكثر عرضة للاضطرابات الاجتماعية والسياسية وتغيير النظام. وقام خبراء آخرون بتقديم بعض النماذج التنبؤية (على وجه الخصوص، تم تطوير النموذج العام للتنبؤ بعدم الاستقرار السياسي من قبل جاك جولدستون Global Model for Forecasting Political Instability by Jack Goldstone).
أشعر أن القارئ سوف يشعر بالسوء من هذا وهو يستذكر أننا لا نملك هذه العقول ولا هذه الطرائق في البحث ولا هذه النتائج التي تؤسس للقرار الصحيح وتمكن من التقييم والتقييم وهو محق في ذلك، لكن عليه أن يستذكر أيضا أن غياب الحرية العلمية والبحثية هو السبب الأكبر في هذا بدليل أننا عندما نذهب إلى المواقع البحثية التي ندفع بالدولار كي نلج إلى مقالاتها وبحوثها نكتشف أن مئات وآلافا من المقلات إنما كتبها العرب والمسلمون ونشروها في بلاد الغرب لأنهم لم يجدوا الحرية التي طلبوها في بلاد العرب.