قضايا و آراء

بالصبر على الجهد والعمل يتحقق المرغوب والأمل…/أ. محمد العلمي السائحي

لا تفتأ الأحداث التي توالت ولا تزال تتوالى في الجزائر هذه الأيام،تقدم لنا الدروس والعبر، وتدعونا إلى الاتعاظ بما وقع لغيرنا، ولعل من بين أهم الدروس المستفادة منها: لا ربوبية إلاّ لله الواحد القهار، فها هو من كان يدعى برب الجزائر ذات يوم، يحال إلى التقاعد ويجرد من صلاحياته، بل أصبح مهددا بملاحقته بتهمة الخيانة العظمى بفعل اجتماعه بأطراف أجنبية، لا تضمر خيرا للجزائر وأهلها، وها هو الرئيس الذي أمسك بدفة الرئاسة في الجزائر أكثر من غيره،  حيث استمر حكمه لعقدين كاملين من الزمن، معتمدا على علاقاته بالزوايا، وعلى أموال الخزينة العمومية في شراء السلم الاجتماعي، بل مسح ديون دول أجنبية وإقراض البنك الدولي، شراء للتقدير الدولي، يجبر على الاستقالة، التي هي أقر ب للإقالة منها للاستقالة، وها هي الوزيرة التي حاربت الإسلام في قطاعها بشتى الوسائل والطرق، تزول دولتها، ويذهب سلطانها، وها هو رئيس الحكومة صاحب المهمات القذرة الذي كان إلى عهد قريب يحذر الجزائريين من احتمال أن يقع لهم ما وقع لسوريا، يقال من منصبه ويقدم ككبش فداء لمن قلدوه منصبه ذلك، وها هو الرجل الذي كان يحكم باسم أخيه من وراء ستار هو وبقية إخوته من آل بوتفليقة، الذين حدثوا أنفسهم بوراثة أخيهم في حكمه ذات يوم، ولما أعياهم ذلك رضوا أن يحكموا الجزائر باسمه من وراء ستار، تقلب لهم الدنيا الغدارة ظهر المِجَن، حتى باتوا يتوجسون خيفة من الملاحقات القضائية، التي قد تطالهم لأعمال اقترفوها، وأموال نهبوها، وها هم رجال الأعمال والنافذين الذين اغتنوا بغير وجه حق، واستغلوا مناصبهم وعلاقاتهم بذوي النفوذ في نهب المال العام، وجدوا أنفسهم عرضة للمتابعة ومطالبون بالإجابة عن سؤال: من أين لك هذا؟ وهو سؤال يعلمون علم اليقين أنهم لا يملكون جوابه. وهيهات يستطيع الواحد منهم أن يعلل لنا كيفية جمعه لماله ذلك واكتسابه.

إن انتفاضة الشعب الجزائري ونزوله في مسيرات حاشدة عبر مختلف أنحاء الوطن لم يكن يتوقعها أحد من الناس، بل كان الكل قد نفض يديه من هذا الشعب وظنه قد استكان للظَّلَمة وآثر السلامة، فإذا به يفاجئ الجميع، ويعلن لهم عن ثورة تجلت في حراك سلمي حضاري لم يعهد له الناس من قبل مثيلا، ليلقن طغاة العالم درسا بليغا وهو: أن الشعوب تصبر على ظلم حكامها إلى حين، رجاء أن ينتبهوا إلى أخطائهم فإن هم لم يفعلوا، ثارت عليهم ثورة البراكين فجأة، وعلى حين غرة، فتذيقهم من بعض ما كسبت أيديهم.

ومن بين الدروس المستقاة منها: أن التزوير والتدليس وغش الناس ومخادعتهم، لا يفضي إلى حكم قائم،  وسلطان دائم، وأنه لا يثبت في هذا الوجود، إلا ما قام على أساس من الصدق والإخلاص، وكل ما عداه فمآله البوار والإفلاس.

ومن العظات البليغة المستفادة من كل تلك الأحداث، أن من اغتنى من حرام افتقر ولو بعد حين، فهاهم الذين اكتسبوا أموالهم من حرام، معرضون اليوم لأن تسلب منهم أموالهم تلك، بل يسجنون ردحا من الزمن عقابا لهم على عدم تحريهم للطرق المشروعة في اكتسابها.

والعبرة الأهم من ذلك كله التي يهيدها لنا هذا الحراك المبارك، هو أننا بلزوم الصدق والمثابرة والعمل، نحقق ما نصبوا إليه من الأمل، فلولا توالي هذه المسيرات عبر الوطن كل هذه المدة من الزمن، لما تحقق المراد، ولظل الطغيان والفساد يلجم أنفاس العباد…    

 

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com