أهمية الإعلام في القرآن الكريم/ د. موسى عبد اللاوي
يعتبر الإعلام أحد الآليات الرئيسية والوسائل المهمة في نشر تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والدعوة إلى الله تعالى، ونشر الفضيلة وإعلام الناس بكل ما هو جديد ومفيد، ذلك أن الإسلام نظام متكامل صالح لكل زمان ومكان، جاء لتنظيم حياة الناس كافة في أوقات السلام والحرب.
وكما ورد في القرآن الكريم أن مملكة سبأ وملِكَتها بلقيس – في عهد نبي الله سليمان عليه السلام وصل الدين من بلاد الشام فلسطين إلى أرض اليمن عن طريق الإعلام..
عندما تفقد سليمانُ الطائر الهدهد..فإذا به يأتي وهو يحمل أخبارا غير عادية..! وكانت له القدرة على تقديم عرض شامل مدعم بالأدلة والبراهين كما هو في سورة النمل:{وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل/الآية 26].
فكانت النتيجة بعد الدعوة هي الإقبال على الله واتباع نبي الله:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[النمل/ الآية 44].
وكي يقوم الإعلام بواجبه على أكمل وجه، ويؤدي رسالته النبيلة بحقها، كان لابد له من الالتزام بمجموعة من الضوابط والمعايير والقيم التي تحكم أداءه وتصوبه إن ضل الطريق، ولهذا تميز الإعلام الإسلامي بضوابط قرآنية شرعية تمنحه القدرة على التأثير في الرأي العام واتجاهاته، عكس الإعلام المضلل الذي شعاره “الغاية تبرر الوسيلة” لتغييب الناس عن الواقع الحقيقي، وتحسين وجوههم القبيحة فلا تضبطهم ضوابط ولا تحكمهم أخلاق ولا مروءة، فهم منسلخون من كل معالم الإنسانية.
ومن الضوابط الإعلامية في القرآن الكريم الهادفة:
1/الإعلام أمانة:
وبما أن الإعلام رسالة نبيلة وأمانة كبيرة في أعناق أولئك الذين يبذلون جهوداً كبيرة وجبارة لإيصال الحقيقة مجردة إلى الناس، فحفظ هذه الأمانة داخل في أمر الله تعالى لنا في تأدية الأمانات وإيصالها إلى أهلها قال سبحانه:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}[النساء الآية 58].
2/التثبت من الخبر والتأكد من المعلومة:
ومن جانب آخر فالإعلام صورة راقية وضابط مهم في تحري الحقيقة وتفحص الأخبار المنقولة قبل اتخاذ القرارات بشأنها، قال تعالى:{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[النمل الآية 22] وقبل أن يضع النظام العالمي الحديث ضوابطه لهذه المهنة، قد ذكرها القرآن الكريم قبل خمسة عشر قرنا، فقد أمرنا الله تعالى أن نتبين ونتأكد من أي خبر منقول قبل الحكم عليه، أو نقله وإذاعته فقال سبحانه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات الآية 6] ، وفي آية أخرى يقول الله سبحانه:{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}[النساء الآية 83].
3/الالتزام بضوابط نقل الخبر:
فالالتزام بضوابط نقل الخبر أدب وخلق عظيم ربانا المولى عز وجل عليه في نقل الأخبار أو استقبالها، فعلى الإعلاميين أو من اشتغل في هذا الميدان، فضلاً عن بقية أفراد الأمة في تعاملاتهم اليومية، وتحقيقا للأمانة التي أمرنا الله بها، وانصياعاً لمراد الله تعالى في هذه الآيات، الالتزام بضوابط نقل الخبر واستقباله، بخاصة تلك الأخبار التي تخص أمن الناس في دينهم ودنياهم وكذا أعراضهم.
وهو أمر في غاية الخطورة إذا ما نظرنا إلى واقعنا الحالي، نجد أن المحاكم في بلداننا تعج بآلاف إن لم تكن ملايين الدعاوى الكيدية بسبب نقل الأخبار الكاذبة أو استقبالها على حد سواء، والوشايات المغرضة والحقد والعداوات، فسفكت الدماء المعصومة وانقطعت بسببها صلة الرحم وغُيب آخرون في السجون، كما هو حال كثير من علماء الأمة المخلصين، ولنفس السبب طلقت كثير من النساء، فتركن خلفهن أولادهن وبناتهن وكان هذا الأمر سبباً رئيسياً في انحرافهم والله المستعان.
4/حفظ الأسرار:
والضابط الآخر الأخلاقي الذي ينبغي أن يتحلى به رجل الإعلام هو حفظ ما يؤتمن عليه من أسرار، وهو ما يسمى في عرف العمل الإعلامي (أسرار المهنة)، وقد جاء الأمر في الوفاء بالعهود مطلقاً في القرآن الكريم بقوله تعالى:{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}[الإسراء الآية 34] إلا إذا ترتب على كتم هذه الأسرار مفسدة عظيمة، تصيب المجتمع أو تتسبب في سفك دماء الأبرياء، عندها توجب إفشاء هذه الأسرار وتقديم المصلحة العامة على الخاصة.
فإذا كان الحفاظ على العهود والأمانات مطلوباً في كل حال، فإن الحرص والالتزام بحفظ أسرار العمل والمهنة من أخلاقيات الوظيفة، فكم من سر مهني أذيع ترتب عليه مشاكل للوسيلة الإعلامية والعاملين فيها، وكم من سر مهني حوفظ عليه حقق السبق والتميز الإعلامي للإعلامي ووسيلته الإعلامية.
وقد ذكر الله تعالى من صفات أهل الإيمان حفظ الأمانة، والإعلام رسالة وأمانة قال تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المؤمنون الآية 8] والوفاء بالعهد هو من علامات الصادقين المتقين ومن صفات الأنبياء المرسلين.
5/ أن يكون أسوة وقدوة لما يقدمه:
الالتزام بما يقدمه للجمهور المتلقي من توجيهات وتعليمات عاملاً بها قبل غيره سواء كان إعلامياً أو داعية أو صاحب فكرة ورسالة يريد إيصالها إلى الناس، فإنه إن دعاهم إلى شيء ثم خالفهم فيه، فقد حكم على رسالته الإعلامية بالفشل المحقق الذريع، وقد ذم الله هذا الفعل بقوله سبحانه وتعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}[البقرة الآية 44]
لذا فإننا نجد الرسل صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين كانوا يؤكدون على التزامهم بما يدعون به أقوامهم فها هو نبي الله شعيب صلى الله عليه وسلم يخاطب قومه كما ذكره الله تعالى في القرآن الكريم:{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود الآية 88] أي ما أريد أن أخالفكم فأرتكب أمراً نهيتكم عنه، وقد حذر الله تعالى في الآية التالية أهل الإيمان الذين يتكلمون فلا يلتزمون بما قالوا، وإنه عمل منكر لا يرضاه الله لهم، فقال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ 2 * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}[الصف الآية: 2/3]. وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه“.
قال الشاعر:
لا تنهى عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إن فعلت عظيم
فالكلمة مسؤولية فهي إما لك أو عليك، فلننتبه لكل ما نقول أو نذيع أو نصور أو نكتب، فقد ورد في حديث عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) رواه البخاري (6487).