الخطوة المنعرج !!
بقلم: التهامي مجوري /
ذكرنا في الأسبوع الماضي معالم الحل أو المنطلقات التي لا ينبغي التغافل عنها وحصرناها في:
- البحث عن قاسم مشترك والانطلاق منه وعلى رأس ذلك الثوابت الوطنية المقررة في مواثيق الدولة الجزائرية.
- الإشراف المستقل على عملية الانتقال الديمقراطي بقيادة شخصيات ذات ثقل وطني وشرعية ومصداقية.
- تمكين الشعب في ممارسة حقه وواجبه السياسي والمدني، وحماية مكاسبه من أي دخن قد يصيبه من هنا أو هناك.
- مرافقة المؤسسة العسكرية للعملية وحمايتها مما يضر بها باسم الإدارة وغيرها من أذرع السلطة.
على أن الأزمة في جوهرها أزمة سياسية، ولا يمكن معالجتها إلا بطرق سياسية، ولكن البعض يصر على الحلول الدستورية، في حين أن المسائل الدستورية قد تجاوزها الزمن، منذ الإعلان عن الرئاسيات في تاريخ سابق، بحيث كان تأجيل الانتخابات غير دستوري، وبقاء البلاد بلا حكومة غير دستوري، واعتماد المادة 102 منقوصة حيث لا تتم فيها العملية بشكل طبيعي لأن المدة المفترضة لرئاسة رئيس مجلس الأمة 45 لا يمكن تنفيذها؛ لأن المدة الباقية من العهدة أقل من ذلك، وعدم اجتماع المجلس الدستوري غير دستوري، ومن ثم لا يمكن إعمال الدستور إلا بإعمال روحه، أي باللجوء إلى الشرعية الدستورية، وليس لمجرد الرجوع إلى نصوص الدستور في ذاته، والشرعية الدستورية هي العمل على العودة إلى المنظومة القانونية بمجملها، وإلى العرف العام الذي تسير على وفقه المجتمعات عادة.
لقد أشار قائد الأركان إلى المادة 102 كمخرج دستوري للأزمة، ورغم أنه كان خطوة غير كافية، فإن تماطل المجلس الدستوري عطّل العملية، مما اضطر قائد الأركان إلى اللجوء إلى المادتين:
7: الشّعب مصدر كل سلطة. السّيادة الوطنيّة ملك للشّعب وحده. السّلطة التّأسيسيّة ملك للشّعب. وهما المادتان اللتان يمكن بهما تجاوز كل المعوقات، باعتبار أن الشعب هو السيد وهو الأصل الذي من أجله بنيت الدولة.
8: يمارس الشّعب سيادته بواسطة المؤسّسات الدّستوريّة الّتي يختارها. يمارس الشّعب هذه السّيادة أيضا عن طريق الاستفتاء وبواسطة ممثّليه المنتخَبين. لرئيس الجمهوريّة أن يلتجئ إلى إرادة الشّعب مباشرة.
وإذا كانت القراءة الأولية الإيجابية للمادة 102 تفيد أن اللجوء إليها يفضي إلى غلق باب التمديد للعهدة الرئاسية الحالية، واللجوء إلى المادتين 07 و08، يعيد المسألة إلى مربعها الأول وهو الشعب؛ لأنه مصدر كل سلطة، فإن التوجه الذي يفرضه الواقع على الطبقة السياسية، هو ضبط الساعة على توقيت العودة إلى الشعب، بكل ما تعني هذه العودة من معنى، بما في ذلك فقدان الثقة في كل شيء..؛ لأن اللجوء إلى الشعب، معناه أن المؤسسات كلها عطلت، والمنافذ كلها أغلقت، ولم تبق ثقة في أية جهة في الأشخاص وفي المؤسسات القائمة وفي الأساليب الملتوية وفي الطروحات المتباينة.
إن العودة إلى المادتين 7 و8، خطوة جريئة في الانتقال مباشرة إلى مربط الفرص وهو المعالجة السياسية للأزمة بتجاوز الأشكال الدستورية مع الحفاظ على روحها.
وعندما يقفز الجيش هذه القفزة الجريئة، فيحيل موضوعا سياسيا على الشعب، فقد أحاله على ممثلي الشعب والناطقين باسمه، كما تعني رسالته كذلك أنه يبحث عن واجهة سياسية قوية ذات مصداقية شعبية، للقيام بمبادرة سياسية مدنية لأنها –في هذه المرحلة- أكثر من ضرورة، سواء كانت من الأحزاب السياسية أم من المجتمع المدني، أو حتى من الشخصيات الوطنية ذات المصداقية.
لا شك أن القراءات لهذه القفزة من الجيش الوطني الشعبي متباينة، إن من الناس ما ينظر إليها على أنها انقلاب عسكري، والتفاف على الإرادة الشعبية، ومنهم من يراها مجرد وجهة نظر في إطار خلافات بين أطراف السلطة المتصارعة، ومنهم من يراها قناعة مبدئية لقيادة الجيش وكل ذلك محتمل، ولكن في تقديري أن مواقف الجيش خلال هذه الأزمة التي تمر بها البلاد، كانت منسجمة مع التيار الشعبي العام، متجاوبة مع الشعب ومطالبه، وهي مواقف ينبغي تثمينها؛ بل كل ما صدر عن الجيش في الموضوع كان إيجابيا، لاسيما فيما يتعلق بتدخله في المسألة السياسية، فقد أكد على أن ذلك ليست من مهامه.
ومهما كانت مبررات إبراز مواقف الجيش خلال الأسابيع الستة للحراك السلمي وهي إيجابية، فإن على الطبقة السياسية أن تستثمر في هذه الفرصة الذهبية، وتبادر بمشاريع سياسية لإنقاذ البلاد..؛ لأن الجيش لا يتدخل في الشأن السياسي، ولا ينبغي له أن يتدخل مهما كانت المبررات، وفي نفس الوقت هذه هي فرصة أصحاب المشاريع السياسية.
لا شك أن الطبقة السياسية لها مشاريعها ومقترحاتها، ولكنها في الغالب لم تعلن عنها، وقد آن الأوان للإعلان عنها، أو على الأقل إثارتها والتسويق لها في أوساط الجماهير لأسباب موضوعية عدة:
- عندما يقوم الشعب بمثل هذا الإنجاز العظيم –الحراك الشعبي السلمي-، فقد قام بالواجب وزيادة، وليس عليه أكثر من ذلك، يبقى على النخب السياسية والاجتماعية أن تكمل المشروع استجابة لمنطق التاريخ؛ لأن الشعوب لن تخلق لتقود نفسها.
- الحراك لا يزال قويا، ولكنه يصعب عليه الاستمرار أكثر لسببين، أولهما أن طبيعة الشعوب لا تقدر على الاستمرار بنفس الأسلوب والمحافظة على نَفَس الشارع وحمايته من الجهات المعادية من الداخل أو الخارج.
- وظيفة النضال السياسي.. لماذا يؤسس الناس الأحزاب؟ ولماذا يناضل المناضلون؟ أليس لمثل هذه المناسبة يناضلون ويصلحون؟