الجزائر تستعيد وعيها – الشباب يسترجع السيادة والاستقلال

بقلم: محمد الحسن أكيلال /
حين بدأ الإعداد لحرب التحرير المظفرة لم يتفق الإخوة على تسمية محددة لذلك العمل الجبار الذين كانوا ينوون القيام به، فمنهم سماه ثورة تحرير ومنهم سماه جهادًا ومنهم من سماه حرب تحرير.
لم تكن التسمية تهمهم بقدر ما كانت تهمهم الانطلاقة؛ وانطلقت فعلا تلك الشرارة المباركة بمجموعة من المحاربين الذين كانوا قد أعدوا للحرب ببعض الأسلحة التي حصلوا عليها بوسائلهم وطرقهم الخاصة.
لقد انطلقت بفكرة مجموعة من المناضلين الثوار الذين سموا مجموعتهم “المنظمة الخاصة” التي كان لها الفضل في الدعوة لها وتأسيسها الشابين “محمد بلوزداد” رحمه الله وقد توفي قبل اندلاعها و”الحسين آيت أحمد” الذي أعدّ التقرير الذي طلبه منه الزعيم “مصالي الحاج” رحمه الله.
سُحِب بساط الزعامة من “سي الحسين آيت أحمد” في المنظمة السرية لصالح “أحمد بن بلة” الذي كان محاربا ضمن القوات الفرنسية أثناء تأسيس المنظمة.
المناضل “محمد بوضياف” بدوره سحب البساط من تحت أقدام المناضل الكبير “مصالي الحاج” وكل المناضلين والثوار معه، وكانت التسمية بالنسبة إليه ثورة التحرير ولكنه سرعان ما غُمر بكثرة المحاربين المتزاحمين على المبادرة.
المحاربون، منهم من حارب مع الجيش الفرنسي في الحرب العالمية الثانية والهند الصينية، وقد كانوا بخبرتهم العسكرية من الأوائل الذين لبوا نداء الوطن وقادوا الثورة التحريرية والجهاد وحرب التحرير بكل هذه التسميات، ولهم الكثير من الفضل وجزاءهم عند ربهم وهو أعلم بالنوايا وبمن اتقى؛ هؤلاء لخبرتهم وحنكتهم سرعان ما فتحوا الأبواب على مصراعيها في جيش التحرير لاستقبال المحاربين الجزائريين في الجيش الفرنسي للاستفادة من تكوينهم وخبرتهم، وهذا ليس عيبا ما دام هؤلاء اختاروا الانضمام إلى إخوانهم وأمتهم ووطنهم، ولكنهم ليسوا كلهم بنفس النوايا والسرائر، لأن البعض منهم أثبتت الأيام بعد نهاية الحرب أنهم يضمرون ما لم يكونوا يظهرون، فتداعوا جميعا متكئين على الخلفية الثقافية واللغوية التي لا تتبرأ من الإيديولوجية الفرنسية وقاموا بمسح زملائهم من المجاهدين من أصول الشعب الذين لم يتجندوا في الجيش الاستعماري.
هؤلاء المحاربون الذين يبدو أنهم ضاقوا ذرعا بالثوار والمناضلين منذ السنوات الأولى من اندلاع الثورة، بل بالضبط بعد مؤتمر الصومام الذي أعطى الثورة بأرضيته دفعا جديدًا وقويا ووضع لها معالم طريق مستقيم نحو أفق رحب مضاء ومنير، لكن هؤلاء لتوجسهم من أكبر مجتهد ومنظر لهذه الأرضية ضحوا به بعد أن أيقنوا أن رفيقه خلصتهم منه القوات الاستعمارية.
لقد اغتيل الرجلان اللذان خططا ووجها لمؤتمر الصومام وهما كل من “عبان رمضان” و “العربي بن مهيدي” في نفس السنة؛ بل في نفس الفترة الزمنية، الأول اغتاله رفاقه، والثاني اغتاله أعداءه.
بعد التخلص من هذين العظيمين، جاء دور الأربعة الكبار الذين سموا بالزعماء الخمسة، لتختطفهم فرنسا بمساعدة ولي العهد المغربي “الحسن الثاني”، وهؤلاء من الأوائل الذين شكلوا المنظمة السرية، والمفروض أن لهم كلمتهم الأكثر تأثيرًا في توجيه مسار الثورة.
لقد توالت الانتكاسات داخل صفوف الثورة، لحسن حظ الشعب أنه لم يكن يعلم بها، لأن التكتم الشديد والسرية كان الطابع الذي سارت عليه قيادتها، وانتهت المسيرة بانتصار حققه الشعب الجزائري بنضاله اليومي وإضراباته ومظاهراته واحتضانه لأبنائه المجاهدين والفدائيين والمسبلين.
لكن أولئك الذين استقوت بهم الثورة لخبرتهم العسكرية أصبحوا الأداة المثلى للمحاربين ضد المناضلين والثوار الذين لا حول لهم ولا قوة بعد الاستقلال حين افتكت منهم مؤسسات الثورة التي تحولت إلى مؤسسات الدولة منذ تأسيس أول حكومة مؤقتة، وذلك قد فرضته ظروف المعركة الشرسة مع عدو لا مجال لمقارنة قوته المادية والبشرية بقوات الثورة. لقد كان المنطق يفرض ذلك، لكن تلك النوايا والسرائر أصبحت هي التي طغت على مسرح الأحداث فكان الالتفاف حول الثورة والاستحواذ عليها وإخفائها في صناديق الأرشيف مثلما حدث لجثماني الشهيدين الكبيرين “عميروش” و “الحواس” رحمهما الله.
لقد صبر الشعب على ما كان يرى، لقد كظم غيظه لأسباب كثيرة أهمها المحافظة على الاستقلال والسيادة والدولة التي لم تكن قائمة منذ العهد العثماني، بل وقبله لم تكن للجزائر دولة على كل خارطتها الحالية التي رسمها الشهداء بدمائهم.
لقد توالت الأجيال والسلطات والأخطاء والإخفاقات والأزمات والمآسي إلى أن جاء الــ 22 فبراير الماضي حيث ظهر في الشارع شباب جيل التسعينيات من القرن الماضي بوجوه ضاحكة مستبشرة تعلن الانتقام لثورة أجدادهم، إنه انتقام جيل التسعينيات لجيل الستينيات، لقد قرروا تصحيح المسار واستعادة الثورة والاستقلال والسيادة وتصحيح العلاقة مع العدو الفرنسي.
فالحمد لله، فإن سلالة الشهداء لم تنقطع.