مراقبة الأهلة هلال شعبان قبل هلال رمضان
بقلم: أ. محمد مكركب/
بسم الله الرحمن الرحيم.﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ (البقرة:189) سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن سبب اختلاف شكل الهلال: يكون صغيرا فيكبر، ثم يعود فيصغر. فنزلت الآية: يسألونك عن الحكمة في اختلاف الأهلة وفائد تغيره، فأَجِبْهم: بأنها معالم للناس، يوقتون بها أمور دينهم ودنياهم، وليؤرخوا بها أوقات الديون والمعاملات، وهي أي: الأهلة معالم للعبادات المشروطة بالمواقيت، فيعرفون بها أوقات العبادة كالصيام، والإفطار، والحج. ولو كان الهلال ثابتا على حال واحدة لما أمكن الناس فهم معالم التوقيت. ومادام المسلمون لايعملون بالحساب الفلكي الثابت المنضبط ويعتمدون المراقبة بالعين المجردة، ولطمأنة القلوب وضبط صحة الصوم وسائر الحسابات،يكون من الأولى أن تُرَاقَبَ كلُّ الأهلة على الدوام،كما هو المعهود، ومراقبة هلال شعبان بالخصوص لمعرفة بداية رمضان، يراقب شعبان كما يفعل الناس مع مراقبة هلال رمضان بنفس الاهتمام، أي أن ليلة أول شعبان يحسب لها ويعلن عنها، حتى يعلم الناس أنهم في اليوم الأول من شعبان لعام كذا، أو أنهم في اليوم التاسع والعشرين. فحتى إذا لم يروا هلال رمضان ليلة الشك فإنهم يتمون الثلاثين من شعبان وهم يعلمون أنهم في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، وأنهم يتمون الثلاثين باطمئنان. ففي الحديث. [صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ] (البخاري.1909) فإن غبي عليكم أي فإن خفي عليكم الهلال ولم تروه يوم التاسع والعشرين، أكملوا اليوم الثلاثين من شهر شعبان، ثم ابدؤوا صيام رمضان. والشهر القمري يكون مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين. وكما هو المقتضى أن يراقب هلالُ ذي القعدة أيضا لمعرفة استهلال بداية ذي الحجة الذي يتوقف على حسابه صحة الوقوف بعرفة، يوم التاسع ذي الحجة.
1 ـ وهل يمكن العمل بالحساب الفلكي لمعرفة استهلال الأهلة وكل الشهور القمرية؟ نعم، وهو الأفضل للتخطيط وضبط المواعيد والتواريخ ودقة الإعداد المستقبلي والحساب الفلكي المقصود هنا ليس هو التنجيم أو الكهانة، إنما الرؤية بالمراصد الفلكية الدقيقة. قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (سورة يونس:5) فالله سبحانه وتعالى هو الذي جعل للقمر منازلَ عددُها ثماينة وعشرون يتنقل فيها بالتدرج وبالدقة والإحكام، فيختلف فيها نورُه تبعاً لهذه المنازل، وذلك لكم أيها الناس لتستعينوا به في تقدير مواقيتكم فتكون مضبوطة بالحساب، ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ ولتعلموا عدَد السنين والحساب بها لكل مصالحكم الدينية والدنيوية، فتحسِبوا الأشهرَ والأيام وتضبطوا فيها مواعيدَكم وعباداتكم ومعاملاتكم. والقمرَ يدور حول الأرض، في مسار خاص محدد له وبالنسبة للأرض المتعلق بها في كل يوم. وهو يُتم دورتَهُ في الشهر القمري، وبه تُعلم السنة القمرية. وعلى ذلك يمكن بطريق الرؤية الحِسْبَةُ لِمنازله ومعرفة السنين وحساب الأشهر. فالله تعالى قال: ﴿لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ والعلم يتعلم ومنه علم الفلك.
2 ـ ما معنى الحساب القمري؟ معناه: إعداد الأشهر برؤية القمر وتتكون السنة القمرية من اثني عشر شهرا: فبرؤية هلال رمضان نصوم، وبرؤية هلال شوال نفطر، وبرؤية القمر تكون مواعيدنا، ولا تنضبط هذه المواعيد أدق انضباط إلا بالحساب الفلكي لمعرفتها مسبقا ولكن الحساب القائم على الرؤية بالمراصد وتتبع الهلال كما ذكرت، وبرؤية القمر تُحسب الكفارات بصيام شهرين متتابعين، كفارة الصيام، وكفارة الظهار، وكفارة قتل الخطأ، وبالشهر القمري تحد المرأة على وفاة زوجها أربعة أشهر وعشراً. فكل هذه المواقيت والمدد تحسب بالقمر. وكل ذلك يسير ويتحرك بقوة وحكمة الخالق في نظام حكيم.هل تدبرتم هذه الآية: ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يس:40) الأفلاك العلوية والسلفية كلها تدور وتسبح، كما يسبح الإنسان. في الماء أو في الفضاء،.والفلك لغة: هو الشيء المستدير، وقد مثل ذلك سعيد بن جبير بالمغزل عندما يكون له محور وهو يغزل مستديراً، ومثله عبد الله بن عباس بالرحى لها محور، والأفلاك تدور حولها.
فسبحان الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، وبهذا التناسق الفلكي العجيب والصورة الجميلة والنظام المنسجم المتكامل، يقوم نظام الكون بالله سبحانه، ويمسك بالله سبحانه. ﴿إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (سورة فاطر:41) إن الله يحفظ السمواتِ والأرض وسائر النجوم والكواكب، يحفظها من الخلل أو من الزوال، أو من النقص والفتور،في كامل النظام الدقيق.
3 ـ بم تثبت رؤية الهلال؟:1 ـ تثبت رؤية الهلال بإتمام الشهر ثلاثين يوما، أي الشهر الذي نكون فيه ولذلك قلنا لنعتمد هذا الدليل وهو إتمام الثلاثين يجب أن نكون قد علمنا حساب الشهر الذي نحن فيه،أي معرفة بداية الشهر الذي قبل الذي نريده. 2 ـ كما تثبت رؤية الهلال بشهادة رجلين مسلمين عدلين، أمام القاضي أو أمام لجنة المراقبة.
4 ـ هل يعمل بتعميم الرؤية لكل البلدان المجاورة جغرافيا كالبلدان العربية؟ أم لكل بلد رؤيته؟ الأصل والأولى تعميم الرؤية وأنه إن رئي الهلال في العراق مثلا أو الجزائر أو اليمن صام كل المسلمين في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا وجنوب أوروبا.﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ فمن أدرك منكم أيها المسلمون هذا الشهر وهو رمضان وكان سليماً معافى مقيماً غير مسافر فيجب عليه صومه.وهذا الأمر عام لكل مكلف.
كما يجوز العمل بالقاعدة الاستثنائية لكل بلد رؤيته. ففي صحيح مسلم: باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بَعُدَ عَنْهُم. عملا بالخبر في القصة التالية: عن كريب، أن أم الفضل بنت الحارث، بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال:{لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فَقُلْتُ: أوَ لَا تَكْتَفِي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم} وشك يحيى بن يحيى في نكتفي أو تكتفي. (مسلم. كتاب الصيام.1087)
5 ـ يستحب الصيام في شهر شعبان. عن عائِشَةَ رَضِي اللهُ عنها، قالت: [لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّهْرِ مِنَ السَّنَةِ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ ] (مسلم.782) في الحديث أيضا:[ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا](مسلم.1153)
6 ـ دروس رمضان في تدبر القرآن: واجب الأئمة في تنظيم برنامج الدروس الرمضانية ويستحب لما أراه مناسبا ومطلوبا أن تكون كل الدروس في رمضان في كل المساجد في تدبر القرآن الكريم. وأن يلتزم الأئمة والأساتذة والدعاة بتفقيه الناس في أحكام وحكم وعبر وأخلاق القرآن، فيكون الدرس آية من آيات الأحكام، مما يرتل في التراويح في تلك الليلة. قال الله تعالى:﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾ (ص:29) فالغاية العظمى من إنزال القرآن ليس هي التلاوة فحسب وإنما القراء والتلاوة والتدبر والفهم والعمل بالمقاصد من تنفيذ أحكام وحكم القرآن. وأن تكون الدروس علمية مرتبة العناصر، ومبينة الأحكام والقيم بشكل محكم وواضح. والابتعاد عن الوعظ الفضفاض اللام ممنهج. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
7 ـ ضرورة ترتيب القراءة في التراويح على مستوى كل مساجد الوطن: يستحب بل أرى من الواجب المستحسن أن أئمة كل مساجد الوطن يقرؤون كل ليلة نفس الجزء بالترتيب، بدءا من الجزء الأول إلى الجزء الأخير من المصحف، والبداية ليلة أول رمضان، والختم في كل المساجد آخر رمضان، وهذا هو الحسن. كلما كان التنظيم والتنسيق محكما ودقيقا كلما كانت الفائدة أكثر، وكان الثمر أطيب وأثمر. ففي الليلة الأولى ليلة أول رمضان كل المساجد يقيمون الليل أي يصلون التراويح بالجزء الأول، والليلة الثانية كلهم بالجزء الثاني، وهكذا، حتى لو صلى مواطن الليلة الأولى في مغنية والثانية في العاصمة والثالثة في الطارف، والرابعة في جنات، كان كمن صلى في نفس المسجد من حيث قراءة الإمام. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
8 ـ يلاحظ في بعض المساجد يقدمون طلبة غير واعين القرآن: لايحفظون جيدا، والمطلوب أن أئمة المساجد يراجعون القرآن ولايقدمون للتراويح إلا من يتقن التلاوة ويحفظ جيدا. ويلاحظ عن بعض المقرئين الذين يُقَدَّمُون للتراويح ولو كانوا من أبناء القرية فلايُرَوْنَ إلا الليلة التي يتقدمون فيها للصلاة ثم قد لايحضرون غير ذلك، مع نقص في الإتقان. بينما الواجب أن يلازموا مجالس الإمام ويراجعون معا قبل رمضان بشهور. ويعايشون جماعة المصلين في الصلوات. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
9 ـ من النشاطات العلمية المفيدة تقام ندوات في المساجد خاصة أيام الذكريات والمناسبات، كمناسبة غزوة بدر ويوم الفتح وليلة القدر وتشجيع حفظة القرآن وندوات فقهية، وقد يكون هذا في غير رمضان من المغرب إلى وقت العشاء لقاءات طيبة ومستحبة ومفيدة ولكن الذي أراه هو أنه عندما يحين وقت صلاة العشاء تقام الصلاة ثم يواصل المعنيون نشاطهم. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.