لن تسلم البلاد إلا بالقضاء على أسباب الفساد…بقلم الأستاذ: محمد العلمي السائحي
يعجب الناس من حال الجزائر، بلاد أكثر سكانها من الشباب، فسيحة الأرجاء، طيبة الهواء، كثيرة الثروات، متنوعة التضاريس، شبهها بعضهم بالقارة، ومع كل ذلك فاقتصادها متدهور، والكل فيها يشكو ويتذمر، يدعو ربه صارخا ضارعا:” ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا”فلا أحد فيها راض بما قسمه الله له من نصيب، ولا أحد للعيش فيها يستطيب، بل الجميع يشكو من سوء الحال، ويتوجس خيفة من بؤس المآل، حتى أن أكثرهم فر منها هاربا، يطلب لنفسه النجاة، من شدة ما يلقاه فيها من ضنك الحياة، وما كانت لتنتهي إلى هذا المآل، مع ما خصها الله به من خيرات، وحباها به من إمكانيات، لولا ما انتشر فيها من فساد، عم وطم، فأربك المشاريع والأعمال، وبدد الثروات والأموال، وأعيت مقاومته النساء والرجال، حتى أن بعضهم بات يرى، أن ليس لها شفاء، من هذا المرض والداء، إلا بمعجزة من رب الأرض والسماء، أما أن يتولى إصلاح حالها الرجال فذلك هو المحال.
لكن إذا سلّمنا بأن ما من شيء يحدث إلا وله سبب، لزاما أن نسلّم كذلك بأن ما شاع في الجزائر من فساد، لم يحدث صدفة ولا طفرة، ولكن مكنت لظهوره ظروف وملابسات، وأننا من خلال تعرفنا إليها يمكن أن نهتدي إلى العوامل والمؤثرات التي مكنت لظهور الفساد وتلك التي ساعدت على تفاقمه وانتشاره، وإذا تحقق لنا ذلك، بات بمقدورنا القضاء على هذه الظاهرة وذلك بالقضاء على أسبابها، وإذا فعلنا ذلك فسوف نجد أن ما ساعد على ظهور الفساد في الجزائر واستشرائه العوامل التالية:
1ـ فساد الحكم السياسي، ولا نعني بفساد الحكم خيانة الحاكم، وإنما افتقاده لمقومات الحاكم، من علم واستقامة ورشاد وقوة وحزم وقدرة على استشعار الخطر والتمكن من دفعه بأيسر السبل وأقلها تكلفة مثل تصدي أبو بكر لمانعي الزكاة، وتصدي عمر بن الخطاب لجائحة القحط وانعدام القوت، وتصدي المعتصم لغزو الروم لمدينة عمورية.
2ـ غيبة التخطيط، لا غنى لأي بلادأو مجتمع عن التخطيط، ولا يمكن أن تُسيّر شؤونها باعتماد سياسة الارتجال والحلول الآنية، فذلك لن يحل ما يعرض لها من مشاكل، بقدر ما يرهقها ويتسبب لها في إهدار الجهد والوقت والمال، والحاجة إلى التخطيط المحكم الدقيق، تمليها حاجتنا إلى ربح الوقت والاقتصاد في الجهد، وتوفير المال وحفظه، ولأنه يتيح لنا إمكانية المتابعة والمراقبة مما يجعلنا قادرين على ملاحظة الأخطاء، والتمكن من التدخل لإصلاحها وتلافيها، كما أنه يسمح لنا بالتدرج من الأهداف الصغرى، إلى الأهداف والغايات الكبرى، أيمن سهل الإنجاز إلى ما هو أصعب، وغني عن البيان أننا كلما أنجزنا هدفا، تضاعفت إمكانياتنا وازددنا قدرة على إنجاز ما هو أصعب.
3ـ رداءة التعليم والبحث العلمي، إن رداءة التعليم وتخلف البحث العلمي له علاقة بتمكن الفاسد وانتشاره، لأنه يفسح المجال لتولّي غير الأكفاء للوظائف والمناصب، فيتسببون في ارتكاب أخطاء فادحة وكثيرة، ترتد سلبا على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ولا خلاف على أن أبرز أهداف التعليم تكوين المواطن الصالح والصلاح المقصود هنا، هو صلاح العقل وصلاح الأخلاق، فإذا كنا اليوم نجد مواطنا عاجزا عن القيام بعمله المنوط به، فذلك العجز مرده إلى خلل في تكوينه العقلي، وإذا وجدنا مواطنا يكذب ويخلف الوعد ويخون الأمانة أو يرتشي، فمرد ذلك إلى سوء تكوينه الأخلاقي دون ريب، وإذا كانت مؤسساتنا الاقتصاديةغير منتجة وغير محققة للأرباح، فمرد ذلك إلى افتقارها إلى الضوابط العلمية في التسيير والإنتاج، وهكذا تتبين علاقة التعليم والبحث العلمي بالفساد الاجتماعي والاقتصادي.
4ـ سياسة اللاّحساب واللاّعقاب، تعتبر من أشد الأسباب تأثيرا في التمكين للفساد في المجتمع، ومن أكثرها مساهمة في نشره وتوسيع دائرته، وذلك لأنها تقتل الإحساس بالمسؤولية لدى الفرد، وتدفعه إلى الاستهتار بالحق العام، فالحساب ثم العقاب من أهم الآليات التي تحتاج إليها الدول في تسيير الشأن العام، بل إن الله سبحانه وتعالى أمرنا بمعاقبة المفسدين في الأرض وذلك لما يلحقونه من أذى كبير بالبلاد والعباد، وهل هناك أذى أكبر مما لحق بلادنا من اضطرار بنيهاإلى هجرتها وطلب العيش فيما سواها، فلو أننا حاسبنا المفسدين وعاقبناهم على إفسادهم لا انتهى الآخرونلسلمت البلاد، وأمن العباد، ولنا في عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أسوة حسنة، فقد كان لا يغفل عن أهل الفساد من مواطنين أو ولاة وكان يضرب على أيديهم بيد من حديد حتى ولو كانوا من ذوي القربى، وذلك ما جعل الأمور تستقيم له في عهده وأصبح عهد يضرب به المثل في استقرار الأحوال وحسن المآل، وهذا ما يجعلنا نعتقد أنه لن تسلم لنا البلاد إلا بالقضاء على أسباب الفساد…