حول مجزرة نيوزيلندا…هذا أكبر من الاسلاموفوبيا/ عبد القادر قلاتي
مجزرة مروعة قام بها شخص مريض بايديولوجيا الكراهية والحقد الدفين، في حق أناس عزل وفي أماكن للعبادة، مجزرة تعبر عن روح كريهة مريضة تسندها رؤية معادية للقيم الدينية المخالفة لروح الحداثة والتقدم الغربي، تمتد إلى زمن بعيد كان العالم الاسلامي رمز التقدم والحضارة، بينما كان الغرب يتدثر بلبوس الصيبية، ويُسَوِّقُ مشروعه المتعثر صداً ورداً لمشروع حضارة انسانية قادمة من الصحراء، تحمل فكراً ورؤية مخالفة، تمكنت في ظرف زماني وجيز أن تقنع الآخر بما تحمل، فكانت –أي الحضارة الاسلامية ومشروعها الجديد- العالم الأول مقابل العالم الآخر الذي قابلها بمنطق العنف والانتقام، ومن يومها تسربت روح الكراهية والحقد ضد الإسلام والقرآن والنّبي الكريم، هذه الروح هي التي تشكل اليوم مستند الكثير من الجماعات السياسية والايدلوجية التي تتصدر المشهد السياسي في الغرب، والتي أصبحت ترى في الوجود الاسلامي الكثيف، خطراً يهدد وجودها الحضاري، تماماً كما كان يهدد الاسلام الحضارة الرومانية والفارسية القديمة، عندما ظهر كدين جديد، حيث كان العالم يومها لا يعرف إلاّ الحضارة الرومانية والفارسية، وجاء الإسلام ليزيل معالم هاتين الدولتين، وتسلم قيادة العالم وفرض مشروعه الجديد بمنطق العقل.
إنّ ما اصطلح عليه بالاسلاموفوبيا في السنوات الأخيرة في الدراسات والبحوث وفي وسائل الاعلام الغربية والعربية، كتعبير عن تلك التحولات الخطيرة التي يشدها الغربي في رؤيته للآخر، لا يعبر حقيقة عن هذه الروح المريضة التي تحولت إلى ايدولوجيا صلبة اقتنع بها الكثيرون في الغرب، شبابا وكهولا وشيوخا، وتحولت إلى صيغ من الممارسة السياسية الفاعلة، حيث تحوّلت هذه الكتل البشرية إلى أحزاب سياسية يمينية متطرفة، تمكنت في بعض البلدان الغربية، من الحصول على مكاسب سياسية كبيرة، أعطتها الحق، في إعادة النّظر في الكثير من القوانين المعمول بها تجاه الهجرة والمهاجرين، وتجاه الآخر المختلف ديناً وعرقاً.
إنّ ما حدث يوم الجمعة في مسجد النّور بنيوزيلندا ليس له علاقة بالاسلاموفوبيا، بل هو أكبر من مجرد الخوف من ثقافة الآخر وحضارته ودينه الذي وجد قبولاً في الغرب، إنّه عداء وكراهية مقيتة تسربت من ماضي سحيق إلى الواقع الغربي الحديث حاملة جدلية دينية عقيمة أسس لها الفضاء الديني المسيحي في لحظة تاريخية فاصلة، وتجسدت في جملة من الحروب الصليبية التي شغلت العالم لفترة زمنية طويلة، وها هي اليوم تعود بنفس الروح وبنفس القيم، مستغلة الاضطراب الحاصل في العالم بين شرق متخلف أضاع مشروعه الحضاري، وغرب قوي يستند إلى ميراث هذه الروح الصليبية. والله المستعان.