غير مصنف

معركة الذاكرة بين الجزائر وفرنسا لا زالت فصولها مستمرة/ من سعدي بزيان

ما تزال قضية اعتراف إيمانوال ماكرون بمسؤولية فرنسا في تعذيب وقتل المناضل الفرنسي في سبيل قضية الجزائر موريس أودان تثير التفاعل في الساحة الإعلامية الفرنسية وقد أسس المؤرخ الفرنسي الراحل بيير فيدال ناكي لجنة خاصة للبحث في مصير أودان، غير أن اعتراف ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسي خطوة هامة بعد اعترافه بأن الاستعمار جريمة ضد الإنسانية، وهو أول رئيس جمهورية فرنسية يملك الشجاعة للاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي، وقد شبه المؤرخ الفرنسي بن جامان ستورا هذا الاعتراف بأنه أشبه باعتراف جاك شيراك لليهود خلال الحرب العالمية الثانية في ظل حكومة فيشي برئاسة الماريشال بيتان وما لحقهم في ظل هذه الجمهورية الخاضعة للاحتلال النازي الألماني المعادي لليهود، وحمل جاك شيراك فرنسا مسؤولية ما لحق باليهود في معسكرات الاعتقال من قتل وتعذيب في حين رفض بصفته رئيسا للجمهورية مع رئيس وزرائه يومئذ ليونال جوسبان من الحزب الاشتراكي الاعتراف بجرائم فرنسا في الجزائر طيلة فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر من 1830 إلى 1962، وقد أعادت جريدة “لوموند” الفرنسية فتح الماضي الاستعماري الفرنسي في الجزائر، وقد شارك في الحديث عن اعتراف ماكرون بجريمة تعذيب ومقتل المناضل موريس أودان الذي اختطف من منزله في جوان 1957، وذلك بعد 61 سنة من التاريخ، ونضال لم يتوقف من طرف زوجته جوزيت أودان قصد الوصول إلى حقيقة اختفاء زوجها ومصيره، وقد عرفت قضيته بـ : Affaireaudin، ونشروها بهذا العنوان في منشورات Minuit1958

وقضية أودان ما هي إلا صفحة من ملف ضخم أسود من تاريخ جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر –عبر قرن وربع- حيث آلاف من الجزائريين لم يعرف مصيرهم لحد الآن، ولا أحد يعرف عددهم وكيف اختفوا، وآلاف ماتوا تحت التعذيب ومئات منهم تم رميهم في البحر وفي نهر السين في 17 أكتوبر 1961، وقد ذكرت ذلك في كتابي “جرائم موريس بابون” محافظ شرطة باريس ضد المهاجرين الجزائريين.

وكانت رافاييل برانش أستاذة التاريخ المعاصر في جامعة روان قد أعدت أطروحة جريئة أشرف عليها المؤرخ الفرنسي الراحل بيير فيدال ناكي، هذا الرجل العظيم الذي دافع عن الجزائر خلال حرب التحرير بحرارة ولا نعرف عنه شيئا وأطروحتها بعنوان: La tortue et l’armé pendant la guerre d’Algérie 1954-1962

التعذيب والجيش الفرنسي خلال حرب الجزائر وما حصل للمناضل أودان حصل لآلاف من الجزائريين كما أكده ذلك المؤرخ الفرنسي ريسي بوت وقد طالب هذا المؤرخ بكشف الحقائق عن الجزائريين الذين وقعوا في يد الجيش الفرنسي وهم بالآلاف ولا يعرف عددهم بالضبط، ومثل هؤلاء مثل موريس أودان الذي اختفى ولا يعرف أحد مصيره، أن مثل أودان آلاف من الجزائريين الذين طواهم النسيان وأهملهم التاريخ، ولعل الجنرال الراحل بول أوساريس هو وحده من جنرالات فرنسا الذين ملكوا الجرأة فاعترفوا ببعض جرائمهم، حيث اعترف بأنه وراء مقتل الشهيدين، العربي بن مهيدي وعلي بومنجل، كما اعترف في سنة 2001، بأنه أعطى أوامر لاستنطاق موريس أودان في حينه ولا يزال بعض المؤرخين الفرنسيين يقدمون أرقاما لا ترقى إلى الواقع عن عدد القتلى من الجزائريين في حرب التحرير من طرف الجيش الفرنسي كان عددهم حسب مؤرخ فرنسي 450 ألف قتيل مقابل 30 ألف جندي فرنسي، فقدوا حياتهم في حرب دامت 7 سنوات ونصف سنة تقريبا، وهو رقم أبعد ما يكون عن الحقيقة، وكثير من الساسة الفرنسيين مسكونون بالماضي ولا يقبلون المس بهذا الماضي الذي حسب رأيهم لم يكن سوى نعمة على الشعوب التي ابتليت به مثل شعبنا في الجزائر ولعل المسؤول الفرنسي الوحيد الذي يملك شجاعة كافية هو روكار عندما أعلن قائلا:”إن مما يزعجني في حياتي هو ماضي فرنسا الاستعماري، وقد ظل الساسة الفرنسيون طيلة 45سنة، وهم يتحدثون عن ثورة نوفمبر 1954 بأنها مجرد عملية بوليسية لمطاردة الخارجين عن القانون “أو الفلاقة” أي “قطاع الطرق” كما يصفون بذكر جيش التحرير، وظلوا كذلك إلى غاية 1999 عندما أعلنوا في البرلمان الفرنسي أن ما وقع في الجزائر سنة 1954-1962 كان حربا بين الجزائريين وفرنسا فعلا.

نحن الآن في انتظار ما وعد به ماكرون من فتح أرشيف المفقودين من الجزائريين، والفرنسيين خلال حرب الجزائر حسب التسمية الفرنسية، ونحن نتمنى للرئيس ماكرون أن يذهب بعيدا في معركة الذاكرة بين فرنسا والجزائر، فاعتباره الاستعمار ضد الإنسانية خطوة جريئة لم يسبقه في هذا الاعتراف رئيس فرنسي سابق، فالرئيس الفرنسي ميتران عندما كان وزيرا للعدل في حكومة غي موللي الاشتراكي صادق على عدة أحكام بالإعدام ضد متهمين من جيش التحرير في الجزائر ولم يؤنبه ضميره، واعتبر الجزائر قطعة من فرنسا -وله آراء استعمارية-  فخان هو ورئيسه غي موللي الاشتراكيان المبادئ الاشتراكية وخاصة عند ما طالب غي موللي بصلاحيات كاملة للقضاء على الثورة في الجزائر وأيد سياسته هذه كل من نواب الحزبين الاشتراكي والشيوعي.

ولازالت الثورة الجزائرية تلهب الساحة الإعلامية في فرنسا.

ولا يكاد يمر أسبوع أو شهر حتى يفاجئ القراء الفرنسيون والجزائريون المهتمون بتاريخ ثورة التحرير بظهور كتاب أو دراسة عن هذه الثورة بمنظور فرنسي بطبيعة الحال، وهذا يندرج في إطار الإبقاء على الذاكرة حية في الضفتين، ففي الأيام الأخيرة من شهر أكتوبر الماضي ظهر كتاب جديد في فرنسا للكاتب الفرنسي جان سيفيليا تناولته جريدة لوفيغاروا بالتقديم والتعليق بعنوان حقائق خفية عن حرب الجزائر. منشورات فايار باريس 414 صفحة ولم تقتصر الجريدة على تقديم الكتاب بل تحدثت عن كتب أخرى لها صلة بالعرب والمسلمين ومنها كتاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بعنوان محمد الأوروبي.

كما تحدثت الجريدة عن الامبراطورية التي أسسها المسلمون في الأندلس وجميل جدا الحديث عن هذه المواضيع في وقت تراجع فيه العرب بشكل مؤلم –وأصبحوا كما بلا روح- وعددا بلا قيمة – فباعوا التاريخ والجغرافيا معا من أجل الحفاظ على الكراسي وليكن بعد ذلك الطوفان، والمطلوب منا فقط هو أن نحدد موقفنا مما يكتبه الكتاب والمؤرخون الفرنسيون عن ثورتنا هل نعتبر كتابات هؤلاء كتابات استعمارية يجب تجاهلها تماما –أو نعتبرها كتابات لا يرقى إليها الشك- أم هي كتابات فيها كثير من الحقائق والمعلومات التي نحتاجها في كتاباتنا- وخاصة أن أصحاب هذه الكتابات يتوفرون على مصادر لا تتوفر لنا ومن هنا يمكننا أن نستفيد منها دون أن نتبناها بدون تمحيص.

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com