شخصية المسلم بين لسان كتابه وحب نبيه واحترام أمته/ محمد مكركب
بسم الله الرحمن الرحيم:﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾[سورة فصلت:44].
يستمد المسلم مقومات شخصيته الجليلة والجميلة من القرآن والسنة، ويظهر ذلك في اتباع النبي عليه الصلاة والسلام إيمانا وعبادة وسلوكا في المظهر والمخبر. ومن أبرز مظاهر شخصية المسلم التحدث بلغة القرآن، وذلك الواجب لثلاثة أسباب كلها منطقية أجمع عليها أهل العقول السليمة، وحاربها المصابون بسرطان الفكر.
أما السبب الأول لوجوب التعلم والتحدث بالعربية فإنها لغة القرآن وما كان الله ليختارها لكتابه ولنبيه إلا لأنها أم اللغات.
السبب الثاني أنها لغة النبي صلى الله عليه وسلم وبها يُفْهَم الدين ويبلغ للعالمين.
السبب الثالث أنها لغة العلم والبيان والحضارة، لغة الرياضيات والطبيعيات وسائر المعارف.
اللغة العربية لغة القرآن والعلوم والبيان، فهي أساس حضارة المسلمين وجمال الثقافة والفكر الأصيل المتين، ومفتاح فهم الكون والدين، فالتعلم بها ضمان المعرفة الجامعة بين علوم الصنائع والحرف والتقنيات، وبين علوم الإنسانيات والقيم والأدبيات، والتحدث بها برهان على الشخصية المتجملة بلسان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.
من الظواهر السلبية المقيتة المسيئة للشخصية الإسلامية، والمسيئة للعلم والدين تلك الظاهرة التي طفت على سطح بعض أنحاء المجتمع العربي الإسلامي وهي: تَخَاطُبُ المسلمين بالعامية الخليطة بين كلمة عربية وأخرى إنجليزية أو فرنسية أو تركية أو فارسية وغيرها، حتى بلغت الحماقة ببعضهم إلى دعوة التعليم بالعامية في المدارس؟! وهكذا يفعل الجهل بأهله، واللهجة العامية لا تنتج ثقافة، ولا تنقل فكرا، ولا تحقق تواصلا. وإن من أخطار استعمال العامية وكل لغة غير العربية، أن يظل الناس بعيدين عن فهم القرآن والدين، وتتعجب أكثر وباستغراب أكبر عندما تسمع دكتورا في اللغة العربية يستعمل الدارجة في خطابه ومحاضراته وحديثه مع الناس؟! ويزداد العجب والاستغراب عندما تسمع أن أُمًّا تُلَقِّن ولدها أول ما يبدأ النطق اللغة الأجنبية قبل أن يحفظ سورة الفاتحة، وربما قبل أن تُعلمه بسم الله الرحمن الرحيم! لماذا لأن ما رسب في العقول أن المغانم والمناصب والمراتب والمكاسب لا تنال بالعربية، ولأن التوثيق والمعاملات في لغة الإدارة بغير العربية، فقد تفرنس المغرب، وتأنجلز المشرق، واستحكمت فيهم التبعية الثقافية للغات التي سيدوها على حساب لغة القرآن.
إن المؤمنين المخلصين في الوطن العربي والإسلامي عموما يتعلمون ويعلمون أولادهم لغة القرآن وهي لغة رسولهم صلى الله عليه وسلم وهم بذلك يحافظون على الشخصية الإسلامية ويعملون على الخروج من التخلف والانعتاق من قيود التبعية لغير المسلمين، ولن يستطيع المسلمون عامة والعرب خاصة استرجاع السيادة الكاملة إلا بفهم القرآن والعمل به، وفهم القرآن والعمل به لا يتم إلا باللغة العربية التي اختارها الله تعالى للقرآن الذي هو رسالة للعالم، ومن العجيب أننا ما زلنا ندعو المسلمين إلى تعلم لغة القرآن والعمل بها، في حين المفروض أن كل المسلمين في العالم يتحدثون لغة القرآن ويتعاونون جميعا لتعليم غيرهم.
فأين شخصية المسلم إذا لم يحب لغة نبيه ويتحدث بها مع أولاده وإخوانه في مجتمعه؟ فأين شخصية المسلم إذا كان يستنكف على لغة القرآن ويفضل العامية عليها أو غيرها؟ إن من هجر لغة القرآن أو احتقرها ووظف غيرها في مناهج التعليم أو الإدارة فقد شارك في تخلف الأمة الإسلامية، وكان سببا في تكريس الضعف والهوان الذي أصاب الشعوب الإسلامية. يمكن أن يكون للمسلم الأوروبي أو الأمريكي أو الهندي أو الصيني له عذر في عدم استعمال اللغة العربية، ذلك لأنه ولد وتعلم في بيئة ناطقة بغير اللسان العربي، ولا يحول ذلك بينه وبين الإيمان بالله ورسوله والتدين بالإسلام، ويكون من الواجب على العرب جميعا أن يعلموه الإسلام ويزودوه بالمراجع الدينية والثقافة الإسلامية، ويعلموه لغة القرآن ولغة حبيبه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، أما البلد المسلم منذ القرن الأول الهجري وإلى الآن وهو مسلم، ولا تكون فيه لغة القرآن هي لغة التعليم والإدارة والتخاطب فهذا هو الغريب. ما هي الأخطار التي تصيب المجتمع في حال الإصرار على هجران لغة القرآن:
1 ـ يظل التعليم بغير العربية تعليما معلوماتيا بعيدا عن التحضر والتمدن المتلازم بين التكنولوجيا والقيم الإنسانية. 2 ـ تبقى الأجيال المسلمة بعيدة عن القرآن وكأنهم غرباء عنه.
3 ـ استعمال العامية أو أية لغة غير العربية يكرس بقاء العصبيات الشعوبية بينما اللغة الفصحى توحد وتجمع وتبني، قال شوقي[ونحن في الشرق والفصحى بنو رحم ونحن في الجرح والآلام إخوان] قال الله تعالى:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً﴾ [آل عمران:103].
ورد في كتاب سياسة الائتلاف لإقامة وحدة المسلمين.ط: 2. 2014م ص:334 وما بعدها:[ لغة القرآن الكريم ثابت من ثوابت الأمة، ولا يتنكر لها إلا المنسلخ من شخصيته، والرافض لعزة نفسه ووطنه وأمته، وهي عامل من العوامل الأساسية التي تجمع الشعوب والقبائل والعشائر والفصائل في رحاب الوحي وأنوار العلم والإيمان، وكل المسلمين متفقون على أن اللغة العربية هي لغة الدين والدنيا لغة العبادة والعلوم والعمران، لغة الماضي والحاضر والمستقبل إلى يوم القيامة، ويكفيها شرفا وتزكية أن الله سبحانه وهو العزيز الحكيم أنزل بها كتابه القرآن العظيم، فكانت العربية لغة الحكمة فَعُلِم من ذلك كمالُها وعالميتها وعمومها وأنها أشرف اللغات وأنها لسان خاتم النبيين الذي أرسله الله رحمة للعالمين] وفي نفس الكتاب ورد قول الشيخ إبراهيم أبي اليقظان رحمه الله:[ إن اللغة العربية ليست لغة قومية خاصة، ولا لسان فئة ممتازة، بل هي لغة عالمية عامة لأنها لغة دين عالمي عام ألا وهو الإسلام] وقال محمد علال الفاسي رحمه الله:
إلى متى لغة القرآن تضطهد * ويستبيح حماها الأهل والولد
أما دروا أنها في الدهر عدتهم * وما لهم دونها في الكون ملتحد
ولن تقوم لهم في الناس قائمة * أو يستقيم لهم في العيش ما نشدوا
إن لم تتم لهم بالضاد معرفة * أو يكتمل لهم بالضاد معتقد
إن العقيدة في الأوطان ناقصة * ما لم تكن للسان الضاد تستند
جاء في ميثاق الجزائر (1976)[ إن اللغة العربية عنصر أساسي للهوية الثقافية للشعب الجزائري، ولا يمكن فصل شخصيتنا عن اللغة الوطنية العربية التي تعبر عنها، ولهذا فإن تعميم استعمال اللغة العربية وإتقانها كوسيلة عملية يشكلان إحدى المهام الأساسية للمجتمع الجزائري في مجال التعبير عن كل مظاهر الثقافة]( ص:86).
وقلت في العنوان:[شخصية المسلم بين لسان كتاب ربه وحبه لنبيه] أي أن عنوان شخصية المسلم أنه يتحدث بلسان كتاب ربه، وذلك من حبه لنبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. ومهما يكن الأخ التركي أو الهندي أو الباكستاني محبا للغة أجداده فإنه لا يرضى أن يفضل حب جده على حب نبيه صلى الله عليه وسلم، سواء بالحب العاطفي والعقلي، أو بالحنان الإيماني، أو بمنطق الشرع. وفي القرآن الكريم:﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ وفي الحديث:[لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ](مسلم.44).
فأين أنتم يا أهل الإيمان من لغة القرآن، هل تحرصون على أن تعلموا أولادكم لغة كتاب الله سبحانه لا إله إلا هو العزيز الحكيم؟ ولغة دينه الدين الذي لا دين غيره؟، ولغة نبيه صلى الله عليه وسلم الذي أعطي جوامع الكلم؟ ولغة الحضارة التي اعترف بها حتى أعداء الإسلام، ولغة آدم عليه السلام الذي علمه الله الأسماء كلها، وهو الله سبحانه الذي أنزل القرآن بلسان عربي مبين، فأين أنتم يا أهل القرآن من تعليم أولادكم بلغة القرآن ومخاطبتهم بلغة القرآن.