كلمات عن أبي العلاء المعري/ محمد الصالح الصديق
جرى ذكر أبي العلاء المعري في مجلس علمي التقى فيه –بلا موعد- أستاذان جامعيان، وإمام، وطالبان جامعيان، فتفتحت شهيتهم في الحديث عن هذا الرجل، وطرحت أسئلة عن جوانب من حياته، فبعضهم طعن في عقيدته، وبعضهم اعتدل في رأيه عنه، ومنهم من تهيب الحديث عنه فاكتفى بقوله إنه أعجوبة زمانه، ووحيد عصره، وأنشد في حقه قول الشاعر:
هيهات لا يأتي بمثله * إن الزمان بمثله لبخيل
أما أنا فقد آثرت الصمت والاستماع، وانتظار نهاية الحديث، حتى إذا ارتفع الستار عن مواقفهم من الرجل، أدليت بدلوي، وكانت الجوانب التي طرقوها كثيرة متنوعة أهمها أو أظهرها: عقيدته، وتشاؤمه، وعصره.
ولما انتهت أحاديثهم وتعاليقهم التفت إلي أحدهم وقال: هل من الحكمة أن تكون داخل المعركة ولا تشارك فيها؟
فقلت: أما عقيدة الرجل فعقيدة المؤمن الصادق، إلا إذا أظلمت الدنيا في وجهه، لظروف خاصة، فإنه حينئذ قد يقول ما يخالف ذلك ويدعو إلى التأمل فيه، ومن شعره في طاعة الله وتقواه:
أذكر إلهك إن هببت من الكرى * وإذا هممت بهجعة ورقاد
وكان يرى أن الدين أمر بعيد المنال، شبيه بالعروس الحسناء التي دونها مهر غال، وهدايا ثمينة ويقول في ذلك:
وما الدين إلا كاعب دون وصلها * حجاب ومهر معوز وحياء
ويحتقر ذلك الذي يعقد يديه على صدره للصلاة، ويقف مستقبلا للقبلة، وقلبه مليء بالأضغان والأحقاد، ذلك هو العار والشنار، ويقول:
يا ظالما عقد اليدين مصليا * من دون ظلمك يعقد الزنار
أتظن أنك للمحاسن كاسب؟ * هيهات، هذا العار ثم النار
وهو يثمن ملكة الشعور في طلب المجد، ويحث على ذلك، ويدعو إلى ترك اليأس، لأن الله تعالى خلق لكل ضيق فرجا، ولكل أمر مخرجا، ارهفوا آذانكم واستمعوا إليه:
إذا كان علم الناس ليس بنافع * ولا دافع فالخسر للعلماء
قضى الله فينا بالذي هو كائن * فتم وضاعت حكمة الحكماء
وهل يأبق الإنسان من ملك ربه * ويخرج من أرض له وسماء
وقد بان أن النحس ليس بغافل * له عمل في أنجم الفهماء
وهنا ترحم الجميع على شاعر المعرة، ودعوا لي بدوام التوفيق والعافية