الشعب يدق جرس الإنذار !/عبد الحميد عبدوس
أجواء من الترقب والتوتر والصخب والغضب تخيم على الشارع الجزائري في انتظار إعلان المجلس الدستوري عن أسماء المرشحين المؤهلين لدخول السباق الرئاسي في 18 أفريل 2019، إن تم إجراؤها في وقتها بناء على المادة 141 من قانون الانتخابات التي تنص على أن “المجلس الدستوري يفصل في صحة الترشيحات لرئاسة الجمهورية بقرار في مهلة أقصاها 10 أيام كاملة من تاريخ إيداع التصريح بالترشح على أن يُبلَغ قرار المجلس الدستوري إلى المعني فور صدوره”.
ترقب قرار المجلس الدستوري نابع من حدوث خروقات، قانونية شابت عملية إيداع ملف المترشح الحر عبد العزير بوتفليقة الذي ناب عنه في إيداع ملف الترشح مدير حملته الانتخابية عبد الغني زعلان في الوقت الذي صرح فيه عبد الوهاب دربال، رئيس الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات يوم 3 مارس 2019:” أن المترشح للرئاسيات ملزم بإيداع ملف ترشحه بنفسه” قبل أن يتراجع عن هذا التصريح بعد إيداع ملف المرشح الحر عبد العزيز بوتفليقة ليؤكد في ندوة صحفية بأن:” قانون الانتخابات في المادتين 139 و140 يتحدث عن وضع ملف الترشح ولا يتكلم عن شخص المترشح”. وبالإضافة إلى الغياب الجسدي لبوتفليقة عند إيداع ملف الترشح، هناك عامل اعتلال صحة الرئيس، وهو أمر معروف في الداخل والخارج في حبن أنه من شروط الترشح للرئاسيات تضمين ملف الترشح شهادة طبية للمعني مسلمة من طرف أطباء محلفين (تثبت تمتع المترشح بقواه العقلية والبدنية). وبعد أربعة أيام من إيداع ملف ترشحه في المجلس الدستوري صرح مدير حملته الانتخابية عبد الغني زعلان، لجريدة الخبر ” إن الرئيس بوتفليقة في جنيف من أجل فحوص طبية دورية وهو بصدد استكمالها” بما يعني أن ملف الترشح لم يكن يحتوي على الشهادة الطبية المطلوبة.
وهو ما جعل فاروق قسنطيني الرئيس السابق للجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الإنسان التابعة لرئاسة الجمهورية، يصرح أن من واجب المجلس الدستوري:” إطلاع الجزائريين على الوثيقة الطبية التي تبين بوضوح الوضع الصحي للمترشح موضوع الحراك الشعبي، وثانيا يجب أن يكون الأطباء الذين وقعوا على هذا المستند الأساسي والمفصلي أطباء جزائريين وليسوا من جنسيات أجنبية”.
حركة الرفض الشعبي لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة رئاسية خامسة بدأت قبل وضع ملف الترشح على مستوى المجلس الدستوري، ثم ما فتئت تتصاعد وتتوسع ليتعدى صداها حدود الوطن وتستقطب الاهتمام الإعلامي والسياسي على مستوى العالم شرقا وغربا، وقد أجمعت كل ردود الفعل على الطابع السلمي للحراك الشعبي والنضج الشعبي والسلوك الحضاري الذي ميز الاحتجاج الشعبي والمسيرات الشعبية والتجمعات الفئوية المرافقة للحركة من فئات الأساتذة والأطباء والمحامين والصحافيين والطلبة والنقابيين، وحتى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أشاد في رسالته بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمرأة بالطريقة السلمية للاحتجاج الشعبي الذي وجد فيه:”…ما يدعو للارتياح لنضج مواطنينا بما فيهم شبابنا وكذا لكون التعددية الديمقراطية التي ما فتئنا نناضل من أجلها باتت واقعا معيشا”.
و لكن مازال الرئيس بوتفليقة ومحيطه متمسكين بإجراء الانتخابات الرئاسية في 18 أفريل حتى وإن أدى ذلك للوصول إلى “فترة رئاسية انتقالية” لتنظيم الانتقال الديمقراطي بصفة سلسة يتولى بوتفليقة تسييرها لمدة تقل عن سنة كبديل عن العهدة الرئاسية الكاملة، وقد وعد بتغيير النظام من خلال تنظيم “ندوة وطنية شاملة جامعة ومستقلة لمناقشة وإعداد واعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية من شأنها إرساء أسيسة النظام الجديد الإصلاحيّ للدّولة الوطنية الجزائرية، المنسجمِ كل الانسجام مع تطلعات شعبنا”. كما تعهد بإعداد دستور جديد يُزكّيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء “يكرسُ ميلاد جمهورية جديدة والنظام الجزائري الجديد ووضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والإقصاء الاجتماعيين، ومنها ظاهرة الحرقة، بالإضافة إلى تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد”.
وللرد على رسالة الرئيس قدمت المعارضة مقترح تأجيل انتخابات 18 أفريل والدخول في مرحلة انتقالية لتهيئة المناخ وتوفير الشروط القانونية لضمان حرية اختيار الشعب، وكان رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس قد دعا إلى تنظيم اقتراع استثنائي في غضون 6 أشهر، يشكل خارطة طريق تفضي إلى توافق وطني يطوي عهد بوتفليقة. وقبل ذلك اقترح الدكتور عبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة سنة والاتفاق على فترة انتقالية يتم التفاوض بشأنها بين النظام والمعارضة لتجنب الزجّ بالجزائر في طريق مسدود. ومهما اختلفت المبادرات والمقترحات بين السلطة والمعارضة فإنها تجمع على أن النظام السياسي الجزائري أصبح في مأزق حقيقي، وأن الطريقة التقليدية في تسيير الشأن السياسي ومعالجة الوضع بالمسكنات الظرفية لم تعد مجدية. ورغم ما تحمله رسالة الرئيس من مقترحات مهمة لتنظيم المرحلة الانتقالية إلا أن العامل الحاسم في الأمر هو قضية الثقة في وعود السلطة التي تملصت في السابق من الكثير من الوعود والالتزامات حيث وصل الأمر إلى حد اختراق الدستور وفرض الأمر الواقع على الشعب والوطن. وفي ذلك قال مصطفى بوشاشي، المحامي والناشط السياسي البارز في الحراك الشعبي الحالي، إن الجزائريين “لا يمكنهم أن يثقوا في الوعود التي تضمنتها ما يسمى الرسالة الموجهة للأمة، المنسوبة للرئيس بوتفليقة”.