نفوذ إسرائيل يتمدد وفرنسا تتهود !؟/ عبد الحميد عبدوس
شهدت فرنسا في الأسبوع الماضي تحركات رسمية وشعبية كثيفة للتنديد بما تعرض له يوم السبت 16 فيفري 2019 الفيلسوف الفرنسي اليهودي آلان فينكيلكراوت، الذي وصف “باليهودي القذر” من طرف شخص مشارك في الاحتجاج الأسبوعي لأصحاب السترات الصفراء اعتقلته الشرطة الفرنسية، وقال راديو (صوت إسرائيل) باللغة العبرية أن المشبوه، فرنسي من سكان مدينة ميلوز، كان قد اعتنق الإسلام. كما تم يوم الثلاثاء 19 فيفري تدنيس 80 قبرا يهوديا بالصلبان المعكوفة في منطقة الالزاس شرق فرنسا.
ولا شك أن مثل هذه التصرفات والاعتداءات هي أفعال عنصرية مقيتة تستحق التنديد والإدانة، ولكن حجم رد الفعل الرسمي والشعبي ضد هذه الاعتداءات التي دقت ناقوس الخطر حول ما سمي بتصاعد معاداة السامية في فرنسا يظهر مدى قوة ضغط اللوبي اليهودي وقدرته على توجيه السياسة والإعلام والرأي العام في فرنسا.
من المؤكد أن تلك الاعتداءات والتصرفات العنصرية التي استهدفت أشخاصا أو رموزا للديانة اليهودية في فرنسا لم تكن تصرفات فريدة أو نادرة أو خاصة باليهود، حيث وقعت قبل ذلك وربما بالتزامن مع ذلك عشرات الاعتداءات على المنتسبين للديانة الإسلامية في فرنسا، ولكن تلك الاعتداءات ضد مسلمين ومسلمات متحجبات وتدنيس رموز الديانة الإسلامية تقابل في غالب الأحيان بالتجاهل أو الصمت أو حتى التواطؤ، وللإشارة فليس هناك حتى نص قانوني في فرنسا يعاقب على جريمة الإسلاموفوبيا التي تعني معاداة الإسلام على غرار العقوبات المسلطة على من يقترف فعل معاداة السامية التي يقصد بها معاداة اليهود.
بعد التهجم على آلان فينكيلكراوت وتدنيس مقابر اليهود ذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أن “هناك شكلا جديدا من أشكال معاداة السامية، وهو التطرف الإسلامي”، وأعلن على هامش عشاء المجلس التمثيلي للديانة اليهودية بباريس عن اعتماد فرنسا معاداة الصهيونية كشكل من الأشكال الجديدة لمعاداة السامية بفرنسا.
هذا التوجه الفرنسي لاعتماد معاداة الصهيونية كشكل من أشكال معاداة السامية، يسير في اتجاه مخالف للقرار الذي تبناه مؤخَّرا الاتحاد الأوروبي برفض إدراج مناهضة الصهيونية وحملات مقاطعة إسرائيل، في الممارسات المعادية للسامية؛ حيث وضع الاتحاد الأوروبي تعريفا لـ”معاداة السامية” يستثني مناهضة الصهيونية وإسرائيل.
كما رفضت أكثر من 200 شخصية يهودية في بريطانيا الخلط بين المفاهيم لافتين إلى أنه “في حين أن التحيز ضد اليهود أمر مؤسف، فإن انتقاد الحكومة الإسرائيلية وسياساتها هو أمر ممكن ويجب القيام به”. وأضافوا:”نلاحظ أيضا نموا مقلقا للأحزاب اليمينية الشعبوية التي تشجع العنصرية وكراهية الإسلام ومعاداة السامية في بريطانيا مما يمارسه اليمين المتطرف وهو تهديد يتطلب ردا حازما ونشطا”.
وذكرت (فرانس أنفو) أن وزير التعليم أعلن حملة للتوعية والتحسيس داخل المدارس للإخطار بأي فعل ضد السامية والعنصرية إلى جانب مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي عبر الانترنت.
كما لم تكتف عدة شخصيات فرنسية يمينية ويسارية بالتوقيع على بيان ضد “معاداة السامية ” ولكنهم أقحموا ما أطلقوا عليه “التطرف الإسلامي”، في عملية “تطهير عرقي بلا ضجيج” في بعض الأحياء.
وكان من بين الموقعين الممثل جيرار ديبارديو، الذي اختارته الجزائر من بين الممثلين العالميين والمحليين لتمثيل دور شخصية الداي حسين آخر دايات الجزائر، وسبق لوزير الثقافة الجزائري أن وصف هذا الممثل العربيد الملاحق قضائيا بكونه فنانا مثقفا مطلعا على الأديان قارئ للتاريخ، قريبا من الثقافة العربية، العاشق للفن العربي والفاهم للدين الإسلامي”.
ولم تكن هذه أول خرجات الممثل جيرار ديبارديو في الطعن في الإسلام، فقد سبق له التوقيع على عريضة تصف نصوصا قرآنية بأنها إرهابية، وتطالب بحذف الكثير منها، حسب المدون الصحفي محمد علال.
عبارات الشتم التي تعرض لها الفيلسوف الفرنسي اليهودي فينكيلكروت تجاوز صداها القطر الفرنسي لتحرك ردود فعل المسؤولين في إسرائيل، فقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه تحدث إلى الرئيس الفرنسي ماكرون، كما اتصل رئيس دولة إسرائيل بالفيلسوف فينكيلكروت مبلغا إياه تضامنه معه، كما وجه له دعوة للاجتماع به خلال زيارته المقبلة لإسرائيل.
فمن هو آلان فينكيلكروت الذي أثار كل هذه الضجة بعد شتيمة تعرض لها، هل هو أكاديمي مهتم فقط بمجاله العلمي والمعرفي ينأى بنفسه عن الصراعات الإيديولوجية والجدال الإعلامي والسياسي حول قضايا مثيرة للحساسيات والتوترات؟
المعروف أن آلان فينكيلكروت جعل من الدفاع عن إسرائيل عقيدة كهنوتية، وانخرط منذ عشرات السنين في محاربة الإسلام والجالية الإسلامية في فرنسا ويدعو المسلمين إلى أن يتخلوا عن كل ما لا يتفق مع الحضارة الغربية، أي أن يتخلوا عن عقيدتهم وعاداتهم وجزء كبير من ثقافتهم ويتميز خلال مداخلاته المتكررة في وسائل الإعلام الفرنسية بالدعوة إلى إلغاء حق الجمهورية الفرنسية في أن تكون مجتمعا متعدد الثقافات، ولا يترك مناسبة تفوته دون أن يصب الزيت على النار وتسعير وتحميل الأحقاد العرب والسود والمهاجرين مسؤولية توترات المجتمع الفرنسي وينسى أنه هو نفسه ابن مهاجر بولندي من الجيل الثاني.
فالفيلسوف يعتقد أن المواطن الفرنسي يستطيع أن يكون مسيحيا أو ويهوديا أو ملحدا ولكنه لا يستطيع أن يكون مسلما في الوقت نفسه، لأن المسلم حتى وإن كان فرنسيا فهو في نظره بمثابة هو عدو الداخل. لقد منح آلان فينكيلكروت لنفسه حق الحديث عن الاسلام والمسلمين وعن سكان الأحياء الشعبية دون أن يمتلك لا الفهم ولا المؤهلات العلمية ولا الشرعية الأخلاقية للحديث عن هذه المواضيع التي لا ينظر إليها إلا من زاوية الحقد والكراهية. ورغم ذلك فإن هذا الشخص العنصري المستفز للمشاعر يجد كل الترحيب والتقدير في الأوساط الثقافية ووسائل الإعلام الفرنسية. وفي هذه الأجواء يستطيع مثقفون من أمثال إليزابيث بادينتر وميشال هويلباك وبيرنارد هنري ليفي وفينكيلكروت أن يصرحوا تحت غطاء الدفاع عن اللائكية بأنهم ” إسلاموفوبيين” ولكن لا يستطيع أي مثقف أو فنان أو حتى مواطن أن يصرح أنه ضد السامية وأن يشتم يهوديا في فرنسا دون عقاب وإثارة الزوابع السياسية والإعلامية !