قضايا و آراء

أثر الصلح على الاستقرار الأسري/ أ . آمنة فداني المقرية

 

إن مستقبل بناء الأسرة المستقرة الهادئة يعتمد على مدى قوة نجاح أفرادها في إصلاح أفكارهم وتوافر عنصر الصلاح في النفس، وإذا وجد الاستقرار بحق وجدت معه أساليب النجاح جميعا.

من حق الغير مناقشة أفكارك ومن حقك أنت أن تضيف إلى أفكارك خبرات الآخرين حيث تكون المعاملة على أساس بشري وليس ملائكة ومن خلال تبادل الأفكار والآراء يتضح الطريق المناسب في تنمية مصلحة الأسرة ككل فهي بذلك نقطة الانطلاق المبصر لتتبع مسارها ونقلها إلى الصالح المفيد وهذه هي النوايا الحسنة.

يقول المصلح القشيري في موسوعة أخلاق القرآن “اصلحوا ذات بينكم بالانسلاخ عن شح النفس وإيثار حث الغير على حالكم من النصيب والحظ وتنقية القلوب من خفايا الحسد والحقد”.

إن القلوب حين تستيقظ تتغير كل الأوضاع وتزيد الرؤية وضوحا في تذليل الصعاب وإزالة العقبات في ترسيم الطريق وتحديد الغايات والأهداف. إن الصلح هو مهمة دائمة ومستمرة في حياة الأسر تبقى ببقائه وتزول بزواله، لأنه من أجود ما يستعان به للتقرب به إلى المولى تبارك وتعالى وقد جعل هذه الخصلة ثمرة من ثمرات الرحمة خدمة للأسرة والمجتمع والإنسانية على السواء، لقوله تعالى في سورة الحجرات الآية 10:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

إن للأسرة رسالة في حياتها تجاه الخالق عز وجل وتجاه مجتمعها فهي لا تبنى إلا على قوانين وسنن عادلة تكفل الطمأنينة لها فهي في مدرسة كبيرة مدرسة الحياة التي تعتبر امتحانا للآخرة.

لاشك أن أثناء مسارها الحياتي قد تعترضها عقبات قد تطول وقد تقصر وهذا شيء طبيعي يتفق مع المنطق والواقع وقد حث ديننا الحنيف أن لا ينصاع الشريكين إلى مثل هذه العقبات والسعي لتفكيكها قبل اتساع الخرق لقوله تعالى في سورة النساء الآية 35:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا}.

ولا يتسنى لنا كل هذا إلا من خلال توفير عوامل الاطمئنان النفسي والاستقرار الذهني، فليس من الممكن لجهود الأسرة أن تعطي ثمارها المرجوة إلا إذا كان الأساس سليما ومبينا، فإذا وقفت ونجحت في هذه المهمة فقد أدت دورها الصحيح المتمثل في حفظ البناء الاجتماعي.

إن ما تعانيه بعض الأسر من مختلف ألوان القلق النفسي راجع لجفاف قلوب بعضها مع بعض الموجود في العلاقات بين الأفراد وتأثيرها المتبادل عليها، فهي بذلك تتصرف بلا إدراك ولا وعي مع الافتقار إلى الرؤية الصحيحة، كل هذا فهي بلا شك أن حياتها لا تستقيم حينئذ فانتظر النتائج والثمار المتوقعة.

إن من واجبات المختصين بشؤون الأسرة في هذه الأمة ضرورة العمل على إيقاظها من غفلتها وتذكيرها مع حمايتها مما يهددها من أخطار التفكك تسعى بذلك إلى الجمع لا التفرقة والبناء لا الهدم من خلال الاستعانة بالسنن الربانية مع تفعيل لجان إصلاح ذات البين، ولنا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نماذج وأسس الاستقرار الاجتماعي في صيانة ومحافظة كيان مؤسسة الأسرة.

للعلم أنه لا يخلوا أحدنا من الأخطاء، فإذا كانت الأسباب متنوعة فلابد أن يكون العلاج كذلك من خلال تفعيل خصلة الصلح التي تعتبر من أمارات الإيمان فهي من أعظم القربات إلى الله تقي من كل التلاعبات الحاصلة والتخفيف من حدتها.

إن ديننا الحنيف ينهى عن إفساد العلاقات التي تكون فيها منفعة فتجب المحافظة عليها والتصدي لكل من يحاول النيل منها من خلال حل عقد الخلاف بالعفو والتسامح والحكمة لقوله تعالى في سورة النساء الآية 128:{وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.

كما أرسى نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الخصلة الحميدة في أمته طيلة حياته الدعوية منها على سبيل الحصر صلح الحديبية الذي احتوى على عدة بنود مجتمعية، دين الله عز وجل منهج وسط في كل شيء والذي سماه الصراط المستقيم، لذا وجب على الأسر الأخذ به والحرص على تطبيقه.

إن سلك أفضل الوسائل الممكنة لتفعيل خصلة الصلح في المجتمع يستوجب الوقوف عند هذه المحطات التي نراها مساعدة لذلك.

الإصغاء إلى من يخالفك في الرأي، مع الوقوف إلى جانب الحق والعدل وتأييده لكونه خير للأسرة وصلاحها.

يتنازل كل منكما عن بعض حقه ليتم الانسجام وهذا هو التناسق المفقود.

تختاران من الكلام إلا الأطيب ومن النصيحة الأيسر وخلق الأجواء الهادئة والمريحة.

تفعيل خصلة الصلح في النزاعات العائلية دفع السيئة بالحسنة تقوية العلاقات المفيدة كلها تؤدي بالضرورة إلى الاستقرار الأسري.

أحسنوا الظن بينكم واحكموا على الظاهر ودعوا أمر السرائر لله وكونوا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر “لا يفرك مؤمن مؤمنة (لا يبغض) إن كره منها خلقا رضي عنها آخر” رواه مسلم.

بكل هذه الخصال الجميلة والمفيدة تتحقق الرسالة المشتركة والغاية المرجوة، فجمع الشمل أولى والتلاقي على أركان رسالتنا أهم.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com