قضايا و آراء

نظرة إيمانية على مشهدنا الحزين- يجب أن نتغير ليتغيروا-/ عبد العزيز كحيل

 

دخل الحسن البصري الحرم المكي فوجد فيه الشرطة – وكانت قد أُحدثت – فبكى وقال:”إن ذنوبا سَلَّطَتْ علينا هؤلاء لذنوب جسام”، قبل أن يتهم غيره بالانحراف والظلم والتسلط رجع إلى النفس ونظر في انحراف الذات وظلمها، وهذه منهجية إيمانية صحيحة تجمع بين الصلاح والإصلاح بدل تلك التي تركّز على تبرئة النفس وإلقاء اللائمة على الآخر والتترس خلف التفسيرات التآمرية التي تزيد من الاحتقان والعُقد النفسية فتؤدي حتما إلى السلبية والانسحاب أو إلى الحلول القيصرية القصوى التي لا تحلّ المشكلات الواقعة وإنما تزيدها تعقيدا وتضيف إليها مزيدا من المشكلات العويصة.

هذا حالنا بالضبط: نطالب بالإصلاح والتغيير، وهذا من حقّنا بل هو واجبنا، لكننا نرفض أن تتغيّر نحن وأن نصلح حالنا، أي أننا نزكي أنفسنا، أفكارنا ومناهجنا وأطروحاتنا وأخلاقنا، ونرى العيوب فقط في الآخرين، في السياسيين والمثقفين والمسؤولين والعلمانيين والمتدينين، لكن الظرف العسير الذي نمرّ به يقتضي البدء بالنفس وردّها إلى الله ردّا قويا صادقا حتى نستحق التكريم الإلهي وتنزّل الرحمة على الأمة المنهزمة المغلوبة التي تتقاذفها الأحداث المفجعة على يد بعض أبنائها إلى درجة ضياع البوصلة واختلاط السبل وسيطرة اليأس.

هذا حالنا: جزائريون حائرون، مرتبكون، بربّنا واثقون… أجل، بربّنا واثقون.
يئسنا من البشر تماما أو نكاد، لُدغنا من هذا الـجـُحر ومن الثاني والثالث، لم نعد نثق في الوعود ولا نؤمن بالأحلام، الواقع مظلمُ الصورة مرُّ المذاق، اجتمع فيه كل ما يؤلم القلوب ويذهب بالعقول.
لكن ثقتنا بالله لا تتزعزع وأملُنا فيه لا ينقطع…أيترك هذا البلد الطيب يضيع؟ البلد الذي احتضن رسالة الإسلام وانتصر للغة القرآن وقدّم الشهداء وأنجب الدعاة والعلماء تذهب ريحُه ويهزل ويموت؟ ربنا أرحم من أن يسلط علينا هذه النهاية ونحن نوحّده ونسبح بحمده ونلهج بذكره ونتمسك بهدي نبيّه رغم المثبطات والمكاره.

بعد تغريب المدرسة تغريبا حثيثا وتكبيل الكفاءات بألف حبل متين وإطلاق العنان للشبهات تُربك العقول والشهوات تُفسد القلوب وتقود السلوك، ها هي السياسة تكاد تعطينا الضربة القاضية.

تجاوزنا الرداءة إلى التفاهة.
أليس في الجزائر رجال يرفعون شأنها؟ بلى..موجودون، لكن أين هم؟ إن لم يظهروا اليوم لتبقى الجزائر واقفة فمتى يظهرون؟ أين هم لدرء الفتنة وإبعاد المخاطر وفكّ خيوط الأزمة والوصول بهذا البلد الكريم إلى برّ الأمان بغير دماء ولا دموع ولا تخريب بل بالعمل السليم والمؤسسات القوية والبرامج التجديدية الواضحة والمواقف الحاسمة؟
فلنبحثْ عنهم ولْنقدمهم ليتصدروا المشهد ويعيدوا لنا الابتسامة.
لا تعرفونهم؟ لا تجدونهم؟ اختلطت عليكم الأمور؟ أقترح هذه الوصفة الإيمانية: أكثروا من التضرع إلى الله، استعينوا بدعاء الأطفال الأبرياء والعجائز والشيوخ والعباد الصالحين …عسى الله أن يرفع عنا ما نحن فيه ويأتينا بالفرج القريب عبْر رجال أقوياء مخلصين صادقين.

من المؤسف أن نرى بعض الناس يستخفون بأمر الدعاء ويضخّمون أمر الأسباب إلى درجة التقديس والتأليه، وهذا خطأ كبير، فالأسباب مطلوبة للناس جميعا لكن للمؤمنين– من دون الناس – صلةٌ وثيقة بالله، تُبارك الأسباب فتتحقق النتائج والغايات، بل هناك أحيانٌ من الدهر نرى فيها الأسباب غير مواتية ولا متاحة ولا ذات قيمة فيبقى ما يسميه السادة الصوفية التجريد أي الإقبال على الله بالتوكل والدعاء والتضرع قبل كل شيء، وأعتقد أن ظرفنا العصيب يتطلب ذلك حتى يوفقنا الله ويهدينا للتي هي أحسن.

الدعاء متاح لنا جميعا ومطلوب منا جميعا، الدعاء المتكرّر الحارّ المتذلل الخاشع، وعلى النخبة بالإضافة إلى ذلك أن تتحرّك وتبحث عن الأقوياء الأمناء ليتحمّلوا المسؤولية ويتصدوا للتيار الجارف.
إذا أغلقت أمامنا أبواب الأرض فها هي أبواب السماء مُشرَعة، فلْنقتحمها.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً}[سورة الإسراء:51].

أكرّر: في هذه الظروف العصيبة لابد من توبة جماعية نصوح، الرجوع إلى القرآن والسنة، التمسك بالإسلام، وحدة الصف والتضرع إلى الله ليفرج عن الأمة.

 

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com