دور المجلة في حياتنا الثقافية -02/ عبد القادر قلاتي
عندما كنت في دمشق، كانت مكتبة الأسد موئل أغلب طلاب العلم من أمثالي، فكنت أقضي الساعات الطوال في الاطلاع على أهم المجلات العربية التي كانت تصل منها بعض النسخ إلى المكتبة العامرة، وكانت المجالات الشهيرة تصل بانتظام كما تصل بعض المجالات غير المعروفة من دول كالسودان واليمن وموريتانيا، وكنت أتعجب عدم وجود مجلة جزائرية، وصادف يوما أنني كنت أقلب في الأعداد الجديدة التي وصلت المكتبة فوجدت مجلة أدبية تصدر في جامعة قسنطينة، فأحسست بفرح عارم وتركت كل ما كان في يدي ومسكت هذه المجلة وقرأتها كاملة، وأخبرت بعض الطلبة ممن لهم ولع بقراءة المجالات من أجل الاطلاع والافتخار بمجلة جزائرية خالصة، فكانت المجلة تأخذ حيزا مهما في تكويننا الثقافي والمعرفي، ومن خلالها ولجنا عوالم معرفية في الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ والدراسات الأدبية.
من المجالات المهمة التي كنت أحرص على الاطلاع عليها، وقد أضافت لي الكثير في تكويني العلمي، مجلة الاجتهاد التي كان يصدرها في بيروت المفكر الإسلامي الكبير رضوان السيد، فمن خلالها تعرفت على الكثير من تفاصيل الفكر الإسلامي المعاصر في إطاره العالمي، وأذكر أنني تعرفت على أسماء لامعة في عالم الفكر والفلسفة والانثروبولوجيا، كما كانت محاورها تشكل مدخلا مهما للكثير من المعارف في الدراسات الإسلامية الجادة حول الدولة والمجتمع والدراسات الاستشراقية، برؤية نقدية متوازنة، أذكر أني تعرفت على الانثروبولوجي الأمريكي المسلم طلال أسد ابن المفكر الإسلامي الشهير محمد أسد، من خلال حوار أجرته معه طالبته الباكستانية صبا حمود وترجمه صديقنا الفلسطيني الدكتور مصطفى الحرازين، وكان بالنسبة لي اكتشافا عظيما، لأهمية ما طرحه من أفكار لم تكن معهودة بالنسبة لطالب علم تقليدي المعارف، كما كانت مجلة الفكر العربي المعاصر لمطاع صفدي إحدى الروافد المعرفية بالنسبة للفكر الفلسفي في صيغته العربية، عرفت من خلالها أهم الأسماء التي تكتب في هذا المجال، فتحت لي آفاقا واسعة في صناعة رؤية متوازنة إلى جانب ثقافتي التقليدية، ثم كان لمجلة إسلامية المعرفية التي كان يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن، الدور الكبير والمحوري في صياغة الكثير من الأفكار والتحول التدريجي عن كثير من القناعات الفكرية التي كرستها الثقافة الأحادية المغلقة بخصوصية الذات والوعي المحدود، فقد فتحت لنا هذه المجلة وكلّ إصدارت المعهد آفاقاً واسعة من البحث المستمر، والسعي نحو التمكن من الثقافة المعاصرة دون تقصير أو تجاوز للموروث الفكري الأصيل، فأحسسنا بالمعنى الحقيقي للانتماء الحضاري.
إنَّ دور المجلة في حياتنا الثقافية مهم، ولابد لنا من إعادة صياغة وعي هذا الجيل بالقراءة المستمرة وخصوصا عن طريق المجلة، حيث يمكننا أن نقدم مجموعة من المعارف والرؤى والأهداف من خلال عدد من العناوين المهمة التي نختار مواضعها بعناية فائقة نراعي من خلال التطور الهائل في وسائل التواصل الاجتماعي، وما يقدم فيها من معرفة جاهزة وسريعة، كلّ ذلك في إطار رؤية متوازنة ومدروسة، يمكننا من خلالها إقناع المتلقي بدور المجلة الورقية، رغم الطفرة الهائلة في العالم الالكتروني.
guellatiabdelkader@gmail.cim