الفتوى رقم:317/ محمد مكركب
الموضوع: لِلِباس الناس وهيئتِهم شأن كبير في حكم الأخلاق.
قال السائل جاء في خطبة على شاشة إحدى القنوات الفضائية هذه العبارات ( من السنة حلق الرأس كاملا أو تركها كلها، وأن القزع محرم، وأن يكون الثوب ساترا بقدر ما حدده الشرع). ما المقصود بهذا الكلام؟، وهل اللباس من العادة أم من العبادة؟ وهل توجد نصوص شرعية تنهى عن القزع؟ فقد كنت جالسا وقت سماع الخطبة مع عمتي فقالت أليس كل واحد حر في حلق رأسه أو لبس ما يشاء؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: إن أقوال الناس وأعمالهم وكل سلوكهم تحكمها الشريعة، وهي مجموعة الأحكام الآمرة والناهية والمحللة والمحرمة. والحكم الشرعي خمسة أقسام: الواجب، والمستحب، والحرام، والمكروه، والمباح. وعلى أساس ذلك يكون اختبار الناس في الدنيا، والحكم الشرعي التكليفي [هو ما اقتضى طلب فعل من المكلف ( الإنسان العاقل البالغ المستطيع) أو نهيه عن فعل، أو تخييره بين الفعل والترك]. ومصادر الشرع مصدران: القرآن والحديث. فمن القرآن حسب ما جاء في سؤال السائل عن اللباس:﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [الأحزاب:59] ومن الحديث.[لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل] (أبو داود:4098).
ومما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم التمثيل بحلق الرأس: بحلق جهة وترك جهة وهو القزع المنهي عنه، كما نهى عن التمثيل بالوشم على الجلد، كما نهى عن كشف العورة أمام الناس. فمخالفة الحكم الشرعي حرام، واللباس الساتر للعورة فهو في حكم الواجب. ومن المباح لون الثياب مثلا ونوع النسيج، وأما اللباس الشرعي فهو في حكم الواجب، ولبس المرأة لباس الرجل بقصد التشبه حرام، ولبس الرجل لباس المرأة بقصد التشبه حرام. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.
ثانيا: ورد النهي عن القزع (حلق جزء من الرأس وترك جزء) في الحديث النبوي عن نافع، مولى عبد الله: أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول:[سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن القزع] قال عبيد الله: قلت: وما القزع؟ فأشار لنا عبيد الله قال: إذا حلق الصبي، وترك ها هنا شعرة وها هنا وها هنا، فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه. قيل لعبيد الله: فالجارية والغلام؟ قال: لا أدري، هكذا قال: الصبي. قال عبيد الله: وعاودته، فقال: أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر، وليس في رأسه غيره، وكذلك شق رأسه هذا وهذا] (البخاري.5920). وفي اللباس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: [لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال] (البخاري.5885) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثالثا: وليعلم المسلمون أن التزام الحكم الشرعي في الأكل واللباس والمشي والنوم والزواج والبيع والشراء كل ذلك من العبادة من حيث المفهوم العام للعبودية لله تعالى. يجب أن يأكل الإنسان الطيبات وتحرم عليه الخبائث، ويلبس الطيبات، ويتزوج الطيبات، فالإنسان ما خلق إلا للعبادة، فمن عمل كل شيء بما شرع الله كان عابدا من العابدين لله بحق وصدق. عن ابن عباس، قال: [لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: [أخرجوهم من بيوتكم](البخاري.5886) والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.
رابعا: تعريف القرزع. والقزع تشبيه [بالقَزَع الذي هو السَّحَابُ الْمُتَفَرِّقُ في السماء، وَاحِدَتُهَا قَزَعةٌ. ويقال: كبشٌ أَقْزَعُ وَنَاقَةٌ قَزْعاء: سَقَطَ بعض صُوفُهَا وَبَقِيَ بَعْضٌ. والقزع: أن تحلق رأس الصبي وتترك في مواضع منه الشعر. وقزع رأسه تقزيعا: حلق شعره وبقيت منه بقايا في نواحي رأسه](لسان العرب) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
رابعا: وعلى قول السائل:( فقالت عمتي: أليس كل واحد حرا في حلق رأسه أو لبس ما يشاء؟) أقول للأخ السائل: الحرية ليس أن يفعل المخلوق ما يشاء، إنما الحرية أن يفعل المخلوق ما أمر الله به، لأجل الهدف الذي خلق من أجله. قال الله تعالى:﴿فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[هود:112] والخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته. وفي الحديث: [قل آمنت بالله ثم استقم] (مسلم:38) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.