الحاجة إلى تعميق ثقافة الأمل والإيجابية/ حسن خليفة
من الظواهر الضارّة المتفشية في أوساطنا المجتمعية اليوم بعض المسائل التي لها امتداد في سلوك الإنسان المسلم/ المسلمة، والتي لها صلة بالعقيدة واليقين من حيث ندري أو من حيث لا ندري، أي أنها على صلة بحقيقة إيماننا ويقيننا وتديّننا. من هذه الظواهر: ظاهرة “اليأس” وشقيقتها الكبرى “القنوط “، وما يتصّل بهما كثير متعدد.ولنبدأ بطرح التساؤلات أولا:
ـ فعلامَ تدل هذه المسلكيات اليائسة؟
ـ وعلامَ يدل هذا التدهور في معنويات الناس من أبناء وبنات مجتمعنا؟
ـ وإلى ما يشير سريان هذا السّمُّ القاتل الفتّاك وأعني به سُم اليأس الذي يجرّ الخيبة وفقدان الأمل والشعور بالمشاعر البائسة المحبطة؟ وليس سلوك أبنائنا في ركوب أخطار البحر سوى جزء من ظاهرة أعمّ وأكبر؟..
أسارع إلى القول: إنه لا يمكن ـ بالفعل ـ نُكران وتجاوز الأسباب التي أوصلت مجتمعنا إلى هذا الانحدار الشنيع الذي ساعد على إشاعة ثقافة اليأس والقنوط والإحباط، وعمّق الإحساس بالمرارة وهبوط المعنويات ببقاء الحال على حاله، وانعدام وجود أي “نافذة ” لتحسّن الأحوال وتغيّرها إلى الأحسن والأفضل.
إن في صدارة تلك الأسباب التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه: سوء التدبير، وسوء التسيير، وإسناد المسؤوليات إلى غير مستحقّيها، وتفشّي أمراض المحسوبية، و”المعارف”، واعتماد “منظومة الولاء” في إدارة الشؤون العامة، وقد نجم عن ذلك ما نجم مما نعرفُه جميعا، ومما يتحدث عنه الخبراء والمختصون في كل وقت، وبكثير من الصراحة ودقة التشخيص في البرامج التلفزية وفي الصحف والمنابر الإعلامية المختلفة…
ولا ريبَ أن الكثير من الحديث عن النقائص وإبراز ملامح الانحطاط والتدهور ـ في حدّ ذاته ـ يشيع المزيد من المرارة ويعمّق الإحساس باليأس والاكتئاب والإحباط…والحال أن معظم وسائل الإعلام الثقيلة (القنوات).. ـ من حيث تريد أو من حيث لا تريد ـ لا يكاد حديثها يتجاوز هذا الشأن؛ بل وتهتمُّ بإبراز المظاهر السوداوية السلبية الشائعة في كل وقت وحين، ونشرات الأخبار دليل قائم على ذلك.
لكنني أريد أن أغرّد ـ قليلا ـ خارج السرب في هذا الموضوع الحيوي الهام، الذي يحكمُ الهندسة النفسية للإنسان المسلم الموقن…وهي الهندسة المضبوطة على إيقاع الإيجابية والأمل الكبير في الحقّ تبارك تعالى وفي غد أفضل وأجمل وأرقى.
إن ممّا تجب معرفته أن “اليأس” وما يتبعه يندرج ضمن “الكبائر”، وضررها خطير؛ لأنها تشي بالجهل الكبير بسعة رحمة الله تبارك وتعالى وتضيّق الواسع من موجبات الرحمة والعدل والخير والفضل، وفي اليأس ـ مهما كانت أسبابه ودواعيه ـ سوء ظن بالله رب العالمين ـ عياذا بالله تعالى ـ .والدارس لسيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ ـ بوضوح لا لبسَ فيه ـ تلك الإيجابية وذلك الأمل العريض الممتد المنبسط الموقن المرتبط بالله تعالى، والذي يكشف عن يقين ثابت لا يتزعزع بالغد الأفضل والأحسن في مسيرة الحياة ومسيرة الدعوة والدين ..وقد تحقّق ذلك كلّه.
لقد خاطب الله تبارك وتعالى المؤمنين بخطاب رقيق رائع يمسّ شغاف القلوب ويسري في أعماقهم كالدواء، ولا يُثمر إلا خيرا وإيجابا، قال تعالى:{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}..
وهذا باب عظيم يفتح الأفق كاملا للمؤمن ـ والمؤمنة ـ في أنه مهما بالغ وأسرف أحدنا في عصيانه وخطئه، فإن أبواب الله تبارك وتعالى تبقى مفتوحة للمتاب والعود الحميد إلى رحاب المغفرة والرضوان وكم يجد التائبون من لذة ومشاعر عميقة تعيد هندستهم من جديد فيقبلون إقبال الظمآن على الماء.هذا على المستوى الفردي…فما بالك بالمستوى المجتمعي، بل وما بالك بالمستوى الإصلاحي الدعوي؛ حيث ينبغي أن تشيع ثقافة الأمل واليقين في الله وفي انتصار الخير على الشرور، مهما كان، عند المصلحين والدعاة ورافعي راية الخير والفضل في المجتمع والأمة.
لقد استنكر القرآن الكريم، في شأن اليأس وما يتبعه، أن تسريّ بعض الأشعة السوداء في الأفئدة..وقد جاء ذلك على لسان نبيّين كريمين هما سيدنا إبراهيم وحفيده يعقوب ـ على نبيّنا وعليهما الصلاة والسلام.
قال تعالى:{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، وقال تعالى أيضا:{وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}.
وفي الأحاديث النبوية معين ثرّ رائع عن ثقافة الأمل واليقين ..عن جابِرٍ رضي الله عنه قالَ:(سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قبلَ وفاتهِ بثلاثٍ يَقُولُ:« لا يَمُوتَنَّ أحَدُكُم إلا وهوَ يُحسِنُ باللهِ الظَّنَّ») رواه مسلم.
وقال النبيِّ صلى الله عليه وسلم:« واعلمْ أن النصرَ معَ الصبرِ، وأن الفَرَجَ مع الكربِ، وأن مع العُسرِ يُسراً»).
وعلى سبيل التذكير نقول..لقد كان التفاؤل “ معنى حاضرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضره وأسفاره وفي أسماء الناس والأماكن، وفِي الحديبية وقد انسدت السبل، لما رأى سهيل بن عمرو قال:” قد سهُل عليكم أمرُكم “، فتسهلت المفاوضات وتم الصلح، وأعقبها فتح وتوفيق .
والخلاصة:
• لا يمكن للعامل والداعية والمربي والمصلح أن يُنجز ويعمل والإحباط يتقمّصه والتشاؤم يتلبّسه، بل لابد من محوهما من حياته وقاموسه، فتفاؤل المصلح والقائم على عمل الخير والداعية من أسباب النجاح وتحقيق الغايات، بل إنه من الزاد المهم الذي يعين على مضاعفة الجهود واستدامة العمل .
* وإذا تعلق الأمر بالمصاعب والمشاق والمحن فإن ذلك لا يزيد الداعية الموقن والمصلح المؤمن إلا أملا وثقة في الله تعالى بالنصر وتحقيق الأماني. (*)
فقط عليه أن يجتهد أكثر وأن يحرص على مزيد بذل ونفع للناس.
إنني أتصوّر أن مما ينبغي أن نحرص عليه جميعا، في جمعيتنا المباركة الطهور، إنما إشاعة مزيد من الثقة في الله تعالى، ومن ثم الثقة في الغد الأكرم الأفضل لما فيه خير الدعوة والصلاح، وأن نعتنيّ بشكل أدق بثقافة الأمل والإيجاب رغم كل شيء..رغم كل شيء .
(*) للاستزادة من هذه الثقافة الرائعة ـ ثقافة اليقين ـ هناك كتب مفيدة ومواقع وتسجيلات نافعة، يُستعان به.