قضايا و آراء

الرصيد المالي والرصيد الاجتماعي!/ علي حليتيم

تجتاح شعبنا هذه الأيام موجة عارمة من النقد العام لسائر أوضاعنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية والثقافية وغيرها؛ وهم على حق في ذلك النقد لا شك من جهة أنه حق المواطنة وواجبها؛ فكل من يفرّط في ما كلف به يستحق النقد والذم والملامة.

من فرَّط في المال فإنه يستحق أن يحاسب على المال الذي فرط فيه، ومن فرط في الاقتصاد فإنه يستحق المحاسبة على ما فرط فيه، ومن فرط في السياسة فإنه جدير باللوم على ما فرط فيه.

وفي كل ميدان أعطى الله سبحانه لهذه الأمة -وهو ذو المن والفضل – كما أعطى غيرها من الأمم ما لا يجوز لمن كُلف بحفظه أن يفرط فيه: رصيدا لا يكاد ينضب من المال وهي الخيرات التي وضعها الله -عز وجل – في باطن الارض وظهرها، وأعطانا رصيدا من البشر وهم هؤلاء الشباب الذين لو كلفوا ببناء معراج للقمر لفعلوا، وأعطانا رصيدا من الثقافة والهوية وهو ذلك التاريخ العظيم الذي صنعه أجدادنا تحت راية الإسلام، وأعطانا رصيدا من اللغة وهو هذا التنوع الكبير الذي يزخر به شعبنا في ربوع الوطن الفسيح، وأعطانا رصيدا من القوة متمثلا في وحدتنا الثقافية والدينية والتاريخية وجيرة كراما يقاسموننا ذات الماضي والمبادئ والمصير، وأعطانا رصيدا من السياسة وهو هذا الوطن الجزائري الذي هو مختلف عن الأوطان الأخرى التي تسعى إلى السيطرة عليه واستلحاقه ونهب خيراته.

لكن كل هذه الأرصدة لا توازي-حين توضع في ميزان الخطر – الرصيد الاجتماعي!

فما هو الرصيد الاجتماعي ومن هو المسؤول عنه؟

الرصيد الاجتماعي هو قوة المجتمع وتضامنه وحيويته وانسجامه وإدراكه لذاته ودوره وثقافته وغير ذلك من المعاني التي تجعل المجتمع في جملته صورة لهويته وحارسا لها ومربيا لباقي الأجيال عليها.

الرصيد الاجتماعي هو أنا وأنت، وجاري وجارك، وقريبي وقريبك، وابني وابنك حتى نكف عن السباحة الفكرية التي تجعلنا نفكر في المجتمع كأنه “هيولي” الفلاسفة الذي يعرف لكنه لا يدرك ولا يرى.

الرصيد الاجتماعي هو ما يسمى في الغرب المجتمع المدني، وهو حركة المجتمع نحو المحافظة على قيمه وهويته، وحركته للمحافظه على أبنائه والأجيال القادمة، وحركته لخوض  ميادين المنافسة العلمية والثقافية والاقتصادية مع باقي شعوب العالم لإظهار جمال شعبنا وجمال الدين وجمال تاريخنا.

وتضييع الرصيد الاجتماعي -لأن الرصيد الاجتماعي ينمو وينضب مثل باقي الأرصدة، وقد يتلاشى ويضيع – لا يأتي إلا من أبناء المجتمع حين يلتفتون بالنقد إلى غيرهم وينسون دورهم في الحفاظ على هذه القيم. لا يضيّع المجتمع إلا المجتمع نفسه، ولا يحافظ على رصيد المجتمع إلا أبنائه. أما المجتمعات التي تلوم غيرها على حالها فإنها ليست جديرة بكثير من الاحترام والتقدير، وقد قالت العرب قديما: “ما حك جلدك مثل ظفرك!”

الغرب يدرك أن الإسلام هو آخر الدفاعات ضد العولمة التي تخفي خلفها شر صنوف الاستعمار، وهو يدرك ألا كمال لخططه في السياسة والاقتصاد والثقافة إلا بالتغيير الاجتماعي الذي يمر عبر إضعاف المجتمع المدني الأصيل واستبداله بمجتمع مدني هجين متغرب على شاكلة الجمعيات النسوية حتى يؤدي له المهمة وهو يدرك أن نهب أرصدة السياسة والاقتصاد والمال والثقافة ليس سهلا حين يكون المجتمع قويا يقظا.

ولهذا وجب على كل مسلم أن يدرك أنه حارس بوابة الرصيد الاجتماعي لا يجوز له أن يغفل أو يتغافل أو يتكاسل أو يشتغل بالشواغل الكثيرة التي تريد له أن ينصرف عن ثروته الوحيدة التي هي المجتمع الجزائري: دينه وقوته ووحدته!

قال الله جل وعز: (ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com