كلمة حق

هل كتابة الأمازيغية يناسبها الحرف العربي أم اللاتيني؟/ أ. د. عمار طالبي

صرح أخيرا السيد الهاشمي عصاد للشروق (17 جانفي2019 ص3) ردا على رئيس المجلس الإسلامي الأعلى بطريقة غير لائقة، وأن الدكتور غلام الله غير مخول بالحديث فيما لا يعنيه، كأن الكلام في هذا الموضوع يخصه هو، ولا يجوز لغيره الخوض فيه، إن هذا الضيق لصدره من الحوار في هذا الموضوع يؤدي بصاحبه إلى لون من الانفراد بالرأي كأنه له الحق الوحيد، ولم يتسع صدره لغير رأيه وأن الجهة الرسمية تحتكر هذا مع أن المجلس الإسلامي الأعلى جهة رسمية أيضا.

مع أن الموضوع يهم الدولة ومؤسساتها التربوية والعلمية والسياسية، والأمة كلها والبرلمان هو المؤهل لاتخاذ قانون في هذا الشأن.

وللسيد غلام الله كل الحق في أن يبدي رأيه، كما لغيره، ومن أين للسيد الهاشمي أن يقرر أنه “غير مخول بالتصريح في ما لا يعنيه” وهل إبداء الرأي مرفوض وتلويث كما يصرح بذلك؟

إذا رجعنا لتاريخ الكتابة في الأمازيغية في هذه البلاد، وفي المغرب الأقصى، فإننا لا نجد غير الحرف العربي، وعلى هذا شواهد كثيرة من مخطوطات متوفرة في الجزائر، ومنها كتابة الشيخ الحداد، وفي المغرب الأقصى عدد ضخم من هذه المخطوطات وقد كتبت في هذا الموضوع عدد سابق من البصائر، فهل نغفل هذا التاريخ كله أو نغفل عنه أو نتجاهله؟

وإذا رجعنا إلى الدراسات اللسانية من الناحية العلمية فإننا نجد عددا من الحروف وأصواتها في الأمازيغية لا توجد في الحروف اللاتينية، وتتوفر عليها الحروف العربية وقد قامت عدة دراسات في هذا الموضوع ومنها دراسة سي حاج محند الطيب:”ما هو الحرف الأنسب لكتابة اللغة الأمازيغية؟” [أعمال الملتقى الدولي أفريل 2017، منشورات المجلس الأعلى للغة العربية ص 261-290] وقرر “أن الحرف اللاتيني قاصر وبعيد كل البعد عن أداء أصوات الأمازيغية” ويتمثل ذلك في 14حرفا، وهي حروف مشتركة بين العربية والأمازيغية.

ولا يوجد ما يحتاج إلى تعديل الصوت إلا في عدد ضئيل من الأصوات، فيما يقرر هذا الباحث الذي ترجم القرآن إلى الأمازيغية وكتبه بالحرف العربي وناقش الموضوع مناقشة علمية وجربه شخصيا.

بالإضافة إلى الدارسين الذين ذهبوا إلى أن 74 بالمائة من ألفاظ الأمازيغية أصلها عربي، ولم يشهد التاريخ أي صراع بين الأمازيغية والعربية، ولذلك كان الحفاظ على الوحدة الوطنية في غاية الأهمية من كل الدول التي في شمال إفريقيا، وكان زعماؤها كلهم من الأمازيغ ابتداء من المرابطين والموحدين، وما تفرع عن ذلك من دول أخرى كالحفصيين والزيانيين والمرينيين، وكانوا يتحدثون بالأمازيغية، ولكن اللغة الرسمية لديهم جميعا هي اللسان القرآني، الذي يجمعهم وإن تفرقت اتجاهاتهم، وكانوا يقولون إن يوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين لا يعرف العربية إذ أنه صنهاجي خالص.

ولم يأت الحرف اللاتيني لهذه البلاد إلا في العهد الاستعماري الفرنسي الذي كان يحيي الآثار الرومانية في هذه البلاد ويدعو إلى النصرانية دعما للاستعمار السياسي والثقافي، ويعتقدون أنه إذا بقي الجزائريون يتمسكون بالقرآن والعربية فإنه لا يمكن استقرار الفرنسيين في هذه البلاد.

ونحن نرى مع الأسف الشديد بعض الناس يستعملون هذا التشدد في تبني الحرف اللاتيني بسبب إيديولوجية سياسية تؤدي إلى غرس الكراهية والشتات بين الشعب الجزائري الذي وحده التاريخ والدين عبر قرون، فكيف يأتي اليوم أناس أمثال السيد الهاشمي عصاد يتعصبون للحرف اللاتيني ويمنعون غيرهم من التحدث في هذا الموضوع؟.

إننا ندعو البرلمان الذي يمثل الشعب لإصدار قانون حاسم في هذا الموضوع التربوي الحساس في أقرب وقت حتى لا تتمكن اللاتينية من الاستيلاء على كتابة الأمازيغية، ونصبح أمام أمر واقع خارج تاريخنا العميق ووحدتنا السياسية الثقافية، والدكتور غلام الله على حق فيما يدعو إليه وعلى من يعارضه أن يأتي بأدلة تناقض ذلك إن كانت له أدلة.

إننا لا نحتاج إلى تعدد أشكال الحروف في المنظومة التربوية تيسيرا على التلاميذ.

ونريد أن نذكر أن الحضارات القديمة كالمصرية والفارسية تكتب بالحرف العربي، لأنه لسان قرآني جامع عقدي، وليس مجرد أشكال صورية، وهذه الحروف كلها ترجع إلى الحروف الفينيقية وهم عرب اخترعوا الحروف التي أخذها اليونان وغيرهم بعد ذلك.

وكانت إفريقيا تكتب الهاوسة ومختلف اللغات الإفريقية بالحرف العربي، حتى جاء الاستعمار الغربي ففرض الحرف اللاتيني فرضا، ولغته أيضا، ونحن نجانا الله من هذا الفرض اللغوي لتصدي جمعية العلماء وغيرها للدفاع عن اللسان العربي.

وورد في توصية المؤتمر:

“يرى المؤتمرون أن الحرف الأنسب لترجمة القرآن الكريم إلى الأمازيغية هو الحرف العربي(ص 596)”.

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com