المترقبون و”بشارة” الرئاسيات/ التهامي مجوري
استبشر بعض السياسيين خيرا، لمجرد الاعلان عن استدعاء الهيئة الانتخابية نهاية الأسبوع الماضي، وكأن مشكلات البلاد كلها منحصرة في الانتخابات الرئاسية، رغم أنّ مشكلة وأزمة المجتمع الجزائري ذات أبعاد متعددة، منها السياسي ومنها الاجتماعي ومنها الثقافي.
وما يهمنا في هذه الوقفة هو الجانب السياسي؛ لأنّ الأمر متعلق بالرئاسيات التي فتحت شهية القوم، والرئاسيات كما لا يخفى تمثل مركزاً أساساً في الهيكل السياسي للدولة.
والطبقة السياسية صنفان في مقابل السلطة، وهما: المعارضة والموالاة.
وهؤلاء المستبشرون هم من الصنفين معا؛ لأنهم جميعا لم يكونوا على علم بهذه “البشارة”، حيث لم يقوموا بنشاط سياسي قبل اليوم يوحي بأنّهم أو بعضهم على علم بما سيقع؛ بل لم يكن لأي جهة موقف ولا رأي ولا حتى مجرد توقع لهذه الرئاسيات قبل يوم الاعلان، هل ستكون أو لا تكون؟ هل يمدد للرئيس الحالي إلى غاية الوصول للموقف النهائي؟ هل يعلن عن الرئاسيات في زمنها المقرر؟ وإلى ما هنالك من هذه التساؤلات، التي كانت قائمة قبل أيام قلائل فقط.. وفجأة يتم الإعلان عن تاريخ الانتخابات..
وطبقة سياسية بهذا المستوى من الفراغ والعجز عن تصور للواقع الإجتماعي وللمرحلة التي يمر بها واستيعابها، تحمل من بذور الفناء أكثر من بذور البقاء؛ لأنها –معارضة وموالاة- لا تملك من مستويات بذور البقاء إلا القليل، ومنها الرئاسيات نفسها. أما المعارضة التي كانت تتكلم في الموضوع، منذ بدايات مرض الرئيس، ولكنها في كل ما عرضت لم ترتق إلى مستوى المعارض البديل، لا في الرئاسيات ولا في غيرها من البرامج والمشاريع السياسية، التي توحي بجدية المعارضة، إلا ما كان من مشروعي التوافق الوطني، الذي تقدمت به جبهة القوى الاشتراكية قبل سنوات والمشروع المماثل الذي تقدما به حركة حمس في العام الماضي، مع فارق بسيط في توجهات كل من الحزبين.
أما أحزاب الموالاة فهي أكثر سوء من زميلاتها المعارضة، حيث أن المفترض فيها أنها على علم بما تريد السلطة، ولا تفاجأ كما يفاجأ غيرها من المعارضين؛ لأنها منت القوى الداعمة لها والتي تقيم معها تحت نفس السقف.
ومن ثم فإن هؤلاء المستبشرين لا أعتقد أن فيهم من يمكن أن يكون قادرا على ملإ منصب الرئاسة المفترض، بسبب هذا التأخر في اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، وغياب الرؤية السياسية الناضجة البديلة للنظام القائم.
على أن الرئاسيات مفترض فيها مشروع سياسي متكامل، وليس مثل الاستحقاقات الانتخابية الأخرى التي تجرى في إطار نظام قد يكون مختلفا عن المشاركين فيها.. وطبقة سياسية لا تشعر المجتمع بأنها تفهم شيئا فيما يقع في الحياة السياسية، لا يتوقع منها التجديد والإضافة.
لا شك أن السلطة لها حساباتها في فرض الترقب على الطبقة السياسية لمباغتتها بما تهدف إليه من آراء ومواقف وغايات تريدها لصالحها، ولكن الطبقة السياسية هي الأخرى مطالبة بأن تكون مستوعبة للساحة السياسية الوطنية؛ والتحولات الدولية أيضا..، لترتقي إلى مستوى المنافس اما عندما تكون دون ذلك، فالفوز دائما يبقى للواقع.
وعندما تعجز الطبقة السياسية أو تقصر في القيام بدورها المفترض، فإنها لا تظهر بمزية عن منافسيها.
صحيح أن مسألة الرئاسة لها ثقلها في الحياة السياسية، لما لمنصب الرئيس من ثقل وتأثير كما أسلفنا، ولكنها ليست كل شيء؛ لأن منصب الرئاسة في مجتمع يفتقر إلى ثقافة سياسية، لا يقدم ولا يؤخر؛ لأن هذا المنصب إذا لم يجد الطبقة السياسية الناضجة للتفاعل معها، لا يسعه إلا أن يتحول إلى مؤسسة طاغية تستبد بالناس فتستبدل مرشحا بمرشح وكفى.. اما التجديد والنهضة والقفزات المرجوة، فمرجأة إلى أن يأتي الله بأمره.