ما قل و دل

نفوس مريضة/ محمد الصالح الصديق

سئل عن العلماء والأدباء الذين قرأ لهم وتأثر بهم في مسيرته الفكرية والفلمية، فأخذ يسرد أسماء أدباء الغرب ومفكريه، وهو الذي ثقافته عربية محضة، وقضى عمره في قراءة كتبها، ودراسة أعلامها.

وكنت انتظر أن يذكر عالما واحدا عربيا تأثر به، فلم يفعل، ليس هذا الأستاذ الأول الذي يسأل هذا السؤال، ويجيب هذا الجواب، بل الظاهرة تتكرر من حين لآخر من بعض أدبائنا وكتابنا، فكأن الأديب أو العالم أو المفكر العربي لا يرى الناس في المستوى المطلوب بين أهل العلم والأدب إلا إذا انتسب إلى الغرب وقرأ لأدبائه ومفكريه، وهو في نفس الوقت لا يرى نفسه في مستوى الأدباء أو المفكرين، بل يشعر بالضآلة والنقص ما لم يدرس أدب الغربيين وفكرهم، وهذه ظاهرة مرضية في هؤلاء يجب أن تعالج.

بل رأيت من المتأدبين الناشئين من تأثر بهؤلاء، فكان إذا سألته عن الكتب التي قرأها أو الأدباء الذين تأثر بهم، سرد قائمة كتب الغربيين، أو أدبائهم في شيء من النخوة والاعتداد، بل أكثر من هذا رأيت من يعمد إلى أسماء علماء الغرب وكتبهم فيحفظها عن ظهر قلب، فإذا سئل، أو جرى الحديث في مجلس ما عن الثقافة، ساقها في شيء من الفخفخة والاعتزاز معتقدا أن ذلك يبوئه مكانة في عالم الثقافة العصرية.

ونحن لا نؤاخذ أحدا على استفادته من الآداب والعلوم الأجنبية بل ندعو إلى ذلك، ونشجع عليه، لأن من أجاد لغة قوم فقد أمن مكرهم، والمجيد لثقافة واحدة رجل واحد، والمجيد لثقافات رجال متعددون، وإنما الذي نرفضه ونراه تجنيا على الثقافة العربية الإسلامية، وأصلها أن يعتبر الأديب أو المثقف العربي نفسه ناقصا أو قزما ودون المستوى حتى ينتسب إلى الغرب ويذكر أنه تتلمذ على أدبائه وعلمائه.

إن الانبهار بأدباء الغرب إلى حد التنكر لأدباء العرب، والتنقيص من شأنهم، دليل واضح عميق على ضعف الوطنية، وحب التبعية للأجنبي.

على أن هناك أمرا لا ينبغي أن يعزب عن أحد، وهو أن المنصفين من علماء الغرب وأدبائه ينوهون بفضل الثقافة العربية الإسلامية عليهم، ويعترفون بأن نهضتهم قد عكفت على تلك الثقافة، وبنت عليها صرحها، وأبناؤها يعرفون هذا ولكنهم لضعفهم وانبهارهم بالثقافة الغربية ينسون هذا أو يتناسونه، ولا يرون أنفسهم أصحاء إلا في ظل هذه الإضافة والتبعية.

ومن يتنكر لأصله ولغته وثقافته، ويحاول أن يلتحق بالغرب لغةً وثقافةً، فإنه سيظل طوال حياته وسط المسافة، لم يبق بيننا ولم يصل إلى الغرب!!.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com