حاجتنا إلى التعليم الشرعي المتين معهد البيضاوي للعلوم الشرعية أنموذجا/ حسن خليفة
وسط حي باب القنطرة العتيق في مدينة قسنطينة، وبمحاذاة مسجد البيضاوي الشهير يتربع معهد الإمام البيضاوي للعلوم الشرعية على مساحة واسعة، في شكل بنايتين كبريين، كل واحدة منهما تتكون من طوابق متعددة، يتشكل كل طابق من أقسام (حجرات للدراسة) وفضاءات أخرى: مكتبة عامرة وقاعة مطالعة فسيحة، ناد للطلبة، مطعم، قاعة انترنيت، وفي الساحة يوجد ملعب جميل مُخصص ـ فقط ـ للطلبة المنتسبين إلى المعهد، وبالطبع كل هذا في نطاق المسجد العامر، مسجد الإمام البيضاوي الذي يدرّس فيه ويخطب الجمعات الشيخ الداعية يوسف بوغابة، والذي يسّر الله تعالى له المرابطة على هذا الثّغر الكبير هو ومجموعة من الأفاضل أساتذة وأهل خير وفضل وبدعم كبير من جهات متعددة…فاستقام معهدا نموذجيا يلبّي الحاجة الماسة إلى إعداد شبابنا إعدادا دينيا وعلميا وثقافيا يجابهون به تيارات العولمة والتغريب والانفجار المعرفي الكبير الذي يعرفه العالم اليوم .
بالجملة فإن هذا الفضاء التربوي/العلمي (معهد البيضاوي).. فضاء مثالي؛ من حيثُ توفر الإمكانات، والبيئة التعليمية المتكاملة، فلا ينقص سوى “الاجتهاد” من الطلبة الذين ينتسبون وينضمون إلى المعهد كل سنة.
يلتحق بالمعهد سنويا عدد من الطلبة من كل أنحاء الوطن؛ حيث يتكفل المعهد بالإطعام والإيواء والتدريس لمدة ثلاث سنوات، يرافقهم عديد الأساتذة والدعاة وأهل العلم في مختلف المواد التي يدرُسونها، كل سنة بمستوى ومواد محددة:
فهم يدرسون المواد العلمية والأدبية والشرعية وبعض مواد الثقافة العامة واللغات والإعلام الآلي، وفق نظام ومنهجية تفضي إلى تكوين جيد للطالب في جميع المواد وتؤهله إلى مستوى يكون فيه قادرا على الالتحاق بشكل سهل بالمعاهد الدينية لتكوين الأئمة..أو مؤسسات أخرى، كما تسمح للطلبة أيضا أن ينطلقوا في الدراسة في مستويات عالية، وهم مزوّدون بكل ما يحتاج إليه طالب العلم ـ في النظام الإسلامي العريق…ويكشف عن ذلك الموادّ التي يدرسها هؤلاء الطلبة وهي بالتقريب كما يلي:
مواد السنة الأولى: قرآن كريم.نحو. إعراب. نصوص أدبية. أحكام التجويد. التفسير. العقيدة. المتون. شرح الحديث. الإملاء. السيرة. فقه العبادات.الأخلاق. قراءة. لغة فرنسية.
مواد السنة الثانية: قرآن. نحو. إعراب. بلاغة. نصوص أدبية. عَروض (عروض الشعر العربي). صرف. تاريخ الأدب. أصول الفقه. مصطلح الحديث. فقه البيوع. فقه الدعوة. متون. إعلام آلي. لغة فرنسية. خطابة.
مواد السنة الثالثة: قرآن. علوم القرآن. آيات الأحكام. نحو. صرف. إعراب. بلاغة. عروض. نصوص الأدب. أصول الفقه. المواريث. فقه الأقضية والشهادات. فقه الأسرة. إعلام آلي. لغة فرنسية. خطابة. فكر إسلامي معاصر. أصول الإفتاء. ثقافة عامة.
والمعهد، بهذه الصورة، يعد مؤسسة تكوين وتأهيل شرعي يسعى إلى جانب مؤسسات أخرى هنا وهناك، في الوطن لإعداد إطارات متوسطة في مجال العمل الديني الشرعي.
الأسئلة التي ينبغي طرحُها هنا على سبيل التمكين للتعليم الصحيح والتعليم الشرعي خصوصا هي:
- أليس من الواجب أن يكون ضمن أولوياتنا كجمعية علمائية كبرى، وكمجتمع مسلم ينشد الصلاح والإصلاح وبسط العلم الشرعي الصحيح النافع..أليس من واجبنا أن نجتهد حتى يكون لنا ـ كمجتمع أولا وجمعية ثانيا ـ في كل ولاية من ولايات الوطن مثل هذا المعلم الديني العلمي الشرعي المتين؟
- أليس من الضروري أن نرتفع إلى مستوى الإعداد الحقيقي للعلماء العاملين، وأن تكون مثل هذه المعاهد بيئة تكوين علمي منهجي دقيق، وهذا أحقّ بالاهتمام وأحقّ باعتداده أولوية من الأولويات الكبيرة في حياة مجتمعنا الذي يُنتقص من أطرافه بكثير من الرزايا وكثير من المؤامرات الملموسة والمخفية؛ خاصة ما يتصل منها بالتعليم الديني والتربية الراشدة؟
- أليس من الجدير بالتقدير والسعي إلى التحقيق الانتقال من الأنشطة إلى البرامج، ومن الأعمال الفردية إلى الأعمال الجماعية والمؤسسات النموذجية المميزة؟
- هل الإشكال في الوسائل: كالأموال المطلوبة لمثل هذه الأمور الجليلة الدائمة النفع؟ أم في الإرادات القوية والهمم العالية، والغايات المرسومة والأهداف المطلوبة، والتي ـ للأسف ـ لا ترتقي إلى ذلك المستوى المنشود المحقق لتطلّعات الشعب الجزائري المسلم الذي يبتغي من الجمعية الكثير؛ خاصة في مجال التعليم والتقويم والإصلاح الذي مبدؤه “التعليم” ومنتهاه “التعليم”، كما تفصح كل أدبياتها وتاريخها ونشاطها وعملها وبرامجها، وكما تؤكد قيادتها الحالية ـ على لسان رئيس الجمعية نفسه…إذ يفصح عن مطالب بإنشاء مؤسسات علمية تعليمية نموذجية في كل منطقة، بل في كل ولاية.وليس ذلك بعزيز لو تداعت الإرادات وتعاونت العقول والقلوب والجيوب، وعسى ذلك أن يكون في مقبل الشهور والأعوام.
إن مما يمكن التأكيد عليه هنا: إنه لو كان للجمعية في كل مدينة معهد علمي بهذا الشكل:
- لتم القضاء على كثير من مظاهر الأمية الدينية والشرعية والثقافية والحضارية؛
- ولتم ّ ترسيخ المرجعية الإسلامية الوسطية الصافية النقية في مجموع أبناء مجتمعنا، وفي الشباب خاصة؛ لتشمل الأسر والعائلات والمجتمع بكل شرائحه؛
- ولتمّ ـ أيضا ـ تجنّبُ، العديد من المشكلات في طريق الحياة الدينية المستقيمة الفاضلة التي لا مراء في أنها هي ـ وحدها ـ البيئة المناسبة لتحرر المجتمع من الشرك بكل أنواعه، ومن الظلم بكل ألوانه، ومن الفتن بكل أشكالها.
ليس ثمة ما يمكن أن تعجز الجمعية كقوة اقتراح مسموعة الكلمة عنهُ، وإنما ينبغي أن تسعى وتجتهد في هذا المسار، بدعم أهل الفضل واليُسر، وبالتعاون مع الأساتذة والدعاة والأئمة لرسم خريطة طريق علمائية رصينة تحقّق أحد أهم الأهداف هو إعلاء صروح العلم هنا وهناك في وطننا، في دعم قويّ لجهود الدولة نفسها في المجالات الدينية والشرعية والتربوية والثقافية، فتكون الجمعية بذلك رافدا قويّا متينا أمينا في خدمة الدين والوطن .