وراء الأحداث

عيد بأية حال عدت ..؟/أ .عبد الحميد عبدوس

مر عيد هذا العام (1438هـ ـ 2017 م ) والأمة الإسلامية تعاني المزيد من الانقسامات والفرقة وتوسع رقعة الخلافات، وبالإضافة إلى الصراعات والخلافات التي ظلت مستمرة بين الأشقاء منذ أعوام سابقة، مثل الخلاف الجزائري المغربي الذي وصل إلى حد إغلاق الحدود بينهما سنة 1994، والحرب الداخلية المدمرة في دارفور بالسودان منذ 14 سنة، والانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس منذ سنة 2007 في ظل الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية منذ 1948، والحرب الداخلية المتصاعدة في سوريا منذ  سنة2011، والحرب العراقية والدولية على مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) منذ منتصف 2014، والحرب الداخلية في أفغانستان ضد حركة طالبان منذ سنة 2014 بعد انسحاب قوات الغزو الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والحرب الأهلية في ليبيا منذ ماي 2014، والحرب الأهلية في اليمن منذ بداية سنة 2015، ثم التدخل العسكري الخليجي في اليمن بقيادة السعودية في مارس 2015، والأزمات الأمنية التي تهدد استقرار الدول الإفريقية الإسلامية بسبب التنظيمات الإرهابية على غرار مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، ونيجيريا، وتجدد الخلافات الحدودية بين اريتريا وجيبوتي، وكذلك استمرار التوترات السياسية في مصر والبحرين، كل هذه الأوضاع المتفجرة تجعل العالم الإسلامي أشبه بقوس للتورات والأزمات أو أشبه بقصعة تغري الأعداء بالتحلق حولها. وتأتي في الأخير أزمة الخلاف الخليجي  لتعلن أربع دول عربية هي السعودية والإمارات والبحرين ومصر يوم 5 جوان 2017 في شهر رمضان المعظم وفي الذكرى الخمسين للهزيمة العربية أمام إسرائيل عن مقاطعة شاملة لدولة قطر، وتملي عليها شروطا مخزية لرفع الحصار عنها. وكانت هذه العربدة الخليجية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير !

لقد كان مجلس التعاون الخليجي الذي يضم السعودية والكويت وقطر والإمارات والبحرين وسلطنة عمان الذي تأسس  في 25 ماي 1981، آخر إطار للعمل العربي المشترك، بعد انهيار مجلس التعاون العربي في أغسطس 1990 بعد حوالي 17 شهراً على قيامه في 16 فبراير 1989، وذلك بعد الاجتياح العراقي للكويت، وكان يضم العراق ومصر والأردن واليمن الشمالي. وتجميد اتحاد المغرب العربي، أو الاتحاد المغاربي الذي تأسس بتاريخ 17 فيفري 1989م بمدينة مراكش بالمغرب، ويتألف من: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا وموريتانيا. ورغم أن هذه الكيانات الإقليمية لم ترق إلى مستوى الطموحات الرامية إلى توحيد الأمة العربية، إلا أنها كانت تشكل منطلقا للتفاؤل الشعبي بإمكانية الوصول إلى عمل عربي مشترك في مواجهة التحديات التي يفرضها العصر ومجابهة الاحتلال الصهيوني للمقدسات العربية.

ولكن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، التاجر الذي أنقذته الأموال الخليجية من الإفلاس، قدر أن رد الجميل “لأصدقائه” الخليجيين يكون بزرع الفتنة بينهم، وتشتيت شملهم، فبعد أسبوعين من زيارته للسعودية تفجرت أزمة الخليج على ساحة الأحداث، ودب الخصام والقطيعة بين الأشقاء، وعلى إثرها وقف ترامب يتفرج بفخر وسرور على آثار مكيدته الشيطانية قائلا: ” ذهبت إلى السعودية، كانت رحلة تاريخية وملحمية، لقد قلت لهم ببساطة: لا يمكن لكم أن تستمروا في تمويل الإرهاب، وقد أخذ ملك السعودية – وهو حقًا رجل مميز للغاية – كلامي بجدية تامة، وها هم الآن يقاتلون دولًا أخرى كانت تمول الإرهاب، أنا أعتقد أننا قمنا بتأثير هائل في هذا الأمر، لا يمكن أن ندع ذلك يحدث، لا يمكن أن ندع تلك الدول الغنية جدًا تمول الإرهاب الإسلامي المتطرف، أو الإرهاب أيًا كان نوعه”.

ولكي يؤكد احتقاره للمفتونين بوعوده، وتأصل شعوره العدائي للمنطقة العربية والإسلامية، فقد قام بإلغاء حفل استقبال  ممثلي المسلمين في البيت الأبيض بمناسبة عيد الفطر المبارك، بعد نهاية شهر رمضان الكريم، وهو التقليد الذي استمر منذ عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون، حيث استضافت في فيفري 1996 السيدة الأولى ـ آنذاك ـ  هيلاري كلينتون نحو 150 شخصاً في حفل إفطارٍ جماعي بالبيت الأبيض، واستمر هذا التقليد إلى عهد الرئيس السابق باراك أوباما.

وقد كتبت صحيفة “دي فيلت” الألمانية، عن إلغاء دونالد ترامب احتفالية البيت الأبيض بشهر رمضان المبارك. فقالت: لأول مرة منذ 20 عامًا، يتم إلغاء الإفطار الجماعي للجالية المسلمة هناك، مشيرة إلى أن هذه الإيماءات تدل على تغيير لصورة الولايات المتحدة في العالم، مؤكدة أنه أمر خطير على “ترامب” قبل أي أحد آخر.

وفي الوقت الذي أصدرت  فيه هذا العام ( 2017) مؤسّسة البريد الكندية أول طابع بريدي رسمي إسلامي احتفالاً بعيدي الأضحى والفطر، تزامناً مع حلول شهر رمضان المبارك، كان رئيس للولايات المتحدة الأمريكية الجارة الجنوبية لكندا يلغي تقليدًا تعود جذوره لنحو قرنين أي إلى عهد الرئيس الثالث للولايات المتحدة توماس جيفرسون أحد مؤسسي دولة الولايات المتحدة الأمريكية، ومؤسس الحزب الجمهوري بإقامة إفطار للجالية المسلمة ببلاده في البيت الأبيض خلال شهر رمضان.

وللتذكير فإن دونالد ترامب هذا هو الرئيس الذي عقد صفقة تجارية بمئات ملايير الدولارات مع المملكة العربية السعودية، وتلقى هدايا شخصية له ولأفراد عائلته بملايين الدولارات…وما خفي أعظم !

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com