أين عقلاء الخليج؟/ د. عمار طالبي
مضى ما يقرب من شهر على حصار دولة قطر وشعبها، ولكن بالرغم من نداءات الحوار والجنوح إلى التي هي أحسن في هذا الخصام، والدعوة إلى التهدئة وعدم التصعيد، وصب الزيت على النار، وأصوات الغرب والشرق تعلو إلى التفاهم بين أسرة كبيرة واحدة، جغرافيا وتاريخيا ودينيا، وثقافة ولم يتم شيء من الهدوء والتعقل، أين حسن الجوار، وأين مجلس التعاون الخليجي، وأين الأخوة التي هي قبل ما يؤخذ ويرد من الآراء والاتجاهات؟
ألم يأخذ العرب والمسلمون الدرس من التاريخ الحديث، ومؤامرة سايكس بيكو في تجزئة بلاد العرب والمسلمين، والتحكم في مصائرها سياسيا واقتصاديا وثقافيا؟
إن الاعتماد على الأجانب في الدفاع عن الأوطان وحمايتها والوهم في أن دولة أو أخرى إذا أخذت الأموال، ووعدت بالنصر، ستنصرنا وتقف معنا خرافة عند ذوي العقول، التي تفكر في أحوال الأمم والتاريخ، وصراع الحضارات التي تدور رحاها اليوم في أرض المسلمين، لتبقى في التخلف، ولا تقوم لها قائمة وتدوم سيطرة هؤلاء الأجانب على مقدراتنا، وإن سعينا ومسيرتنا السياسية والاقتصادية اليوم تيسر للأجانب حراستنا، وتعطل إقلاعنا الحضاري، وتفتت مسعانا، وتزرع الزعازع والزلازل في أرضنا، وتستعمل ما يسمى بالإرهاب الغامض أداة لهدم دول، فتصبح أنقاضا، وشظايا تابعة، لا يحسب لها حساب.
فبدلا من الاعتماد على أنفسنا وبناء قوتنا، على أساس من العلم والتقنية والقيم الأخلاقية نلجأ إلى من يحسبنا أعداء له في باطنه، وأصدقاء له في الظاهر ما دام يشعر أننا خاضعون له وتابعون لسيطرته، يعدننا ويمنينا كما يعد الشيطان ويمني غرورا إنها وعود كواذب، وبرق خلب، وتمنيات لا صدق فيها ولا حقيقة، ولا نحصد منها إلا الدمار والوبال في عاقبة أمرنا ومصائرنا.
هان أمرنا على الناس وشوّه وجه ديننا الوضاء، فأصبح مولدا للخوف والرعب في عالم الغرب والشرق وزارعا للكراهية للمسلمين ودينهم، إن صناعة الإرهاب واستعمالها لخدعة كبيرة وحفرة عميقة الغور، يقع فيها الساسة والكبراء إذا ما فقدوا الرشد، وأصبحوا في غي من أمرهم، وسلوكهم، بعيدين عن الحكمة السياسية والأخلاقية. إنها لأزمة أخلاقية وسياسية لا ثمرة لها إلا الهوان والتبعية، وخسران لأموال الأمة، التي أمر الإسلام في مقاصده الحفاظ عليها كما نحافظ على الأنفس، والعقول، والدين والعرض، والنسل.
هل رجعنا إلى القبلية الجاهلية، وسلوك الأعراب الذين قال الله في شأنهم:{الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ}.
إن هذا الذي يحدث لقطع للأرحام، وشتات للأسر وضياع للأموال، وطلبة العلم، وهتك للمرضى الذي يعالجون في المستشفيات هنا وهناك، ولا يعود على الجميع إلا بالضر والعسر، والضعف والهوان، تتلاعب الدول التي أخذت الأموال بالدعوة إلى التفاهم والحوار، واضطراب الأحوال، وكدر النفوس، وقلق القلوب.
يا حكام الخليج، وقادة الجزيرة العربية لا تستمروا في هذه الفتن، وإيقاد نيرانها، إنها نار تأتي على الأخضر واليابس، يُكوى بها أهل الخليج، ويفرح بها من يدير الدوائر ويدبر الدسائس، بالوعود التي لا تنفذ، والمجاملات التي تذهب بها الرياح العواصف من الوعود الكواذب التي تعد بها الدول، ولا تحقق منها أي أمل.
ألا متى ندرك الأخطار، من قسمة الأقطار، وما تؤدي إليه دمار وبوار؟
وغلق باب التفاهم والحوار لا يزيد النار إلا وقودا.