افتح مدرسة تغلق سجنا/ محمد العلمي السائحي
تميز عصرنا هذا عن باقي العصور السابقة باهتمام الدول بالسجون بصورة ملفتة للنظر، وداعية للتساؤل عما وراء حرصها عن ذلك من دواع وأسباب تدفعها لإبداء ذلك الاهتمام المبالغ فيه، حيث لم يقتصر اهتمامها ذلك على موقع السجن ومتانة بنيانه، بل تجاوزه إلى طرق وأساليب تسييره، وتحسين نوعية مختلف الخدمات التي ينبغي أن تقدم للسجناء وتحسين ظروف إقامتهم في السجن، وتمكينهم من تطوير ذاتهم عن طريق التعليم والتكوين، والعناية باستقرارهم النفسي وذلك بتمكينهم من التواصل مع أهاليهم عن طريق برامج الزيارات المنظمة، وممارسة الرياضة، وذلك تحت غطاء إعادة تأهيلهم لتمكينهم من الاندماج في المجتمع من جديد، وكل ذلك يتطلب الإنفاق بسخاء على هذه المؤسسات لضمان قيامها بوظيفتها، فما هي طبيعة هذه الوظيفة التي تفرض على الدول أن تولي اهتماما خاصا للسجون؟ هذا ما يجيبنا عليه صاحب مقال:” لماذا تعد السجون أخطر الاختراعات البشرية” عمر علي باشا حيث يقول:” يمكن أن يعزى صعود الدولة كشكل من أشكال التنظيم الاجتماعي، بفكرة السجن لأن ظهور فكرة الدولة كتنظيم اجتماعي يرافقه فكرة التأديب والمراقبة، وذلك لأجل مراقبة المجتمع وإدارته من جهة أخرى، لذلك وضعت الدولة القانون والإجراءات العقابية لفرض هيبتها وإعلاء شأنها، كأقوى جماعة اجتماعية موجودة داخل المجتمع” وهذا يعني أنها تستخدم السجن كعصا تلوح بها إلى المتمردين والخارجين عن القانون، أو المعارضين السياسيين، لتفرض عليهم هيبتها، وتحملهم على احترام ما تفرضه عليهم من قوانين، لكن هذا الكلام ينطبق على سجون الماضي، التي كان المسجون يلقى فيها الحرمان، ويتعرض إلى ردع شديد، أما سجون اليوم فقد باتت أقرب ما تكون إلى المركبات السياحية، التي يتوفر فيها الغذاء الجيد، ووسائل الترفيه والاستجمام، حتى أن الكثير من السجناء المفرج عنهم لنفاد أحكامهم، أو لعفو رئاسي، يتعمدون ارتكاب جنايات تستوجب إعادتهم إلى السجن، وذلك بسبب اكتشافهم أن الحياة في السجن أهون وأخف وطأة من الحياة خارجه، وهذا يعني أن السجون لم تعد تؤدي الوظيفة المنوطة بها، ولم تعد لها قوة الردع التي كانت تتمتع بها، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإن الإصلاحات التي أدخلت عليها لم تؤت أكلها، ولا هي ساعدت في إعادة إدماج السجين في الحياة العامة، بل أسهمت في توفير الأجواء والظروف المواتية لتعمق السجون في عالم الجريمة والجنوح إلى العنف أكثر فأكثر.
فإذا ثبت أن السجون في الماضي والحاضر لم تفلح في ردع المجرمين، ولم تتمكن من المساعدة في الحد من انتشار الجريمة في المجتمع، على النحو الذي كان متوقعا منها، فماذا بوسعنا أن نفعل لنؤمن مجتمعنا ضد الجرائم بأنواعها؟
الجواب على ذلك هو أننا علينا أن نحسن التكفل بالفرد قبل أن يصل إلى السجن، أي علينا أن نركز على حسن تنشئة الأفراد وتربيتهم، تهذيب سلوكهم والارتقاء بأخلاقهم، فذلك هو الكفيل بالحيلولة بينهم وبين الانجذاب إلى عالم الإجرام، وذلك لن يكلفنا من المال إلا أقل مما نتكبده اليوم للإنفاق على مئات السجون، ورجال الشرطة والعساكر، فقديما قيل:” افتح مدرسة تغلق سجنا”.
.