كن مطلوبا ولا تكن طالبا/ أ. محمد الصالح الصديق

كنت في مراجعة حديث في البخاري، فوقفت عرضا عند الحديث التالي في طلب الولاية، ورأيت أن يكون موضوع هذه الكلمة لأهميته، ولأنه أيضا موضوع الساعة وهذا هو الحديث:
عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإذا أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها” رواه البخاري.
الإمارة: هي ولاية أمر المسلمين، وليس من شك في أن كل وظيفة أو منصب عام يخدم المسلمين ويتوخى مصالحهم ويتوقف عليه انتظام أمرهم فهو ولاية و( المسألة) في الحديث طلب الإمارة والسعي في الحصول عليها.
والحديث يقرر قضية هامة يجب التنبه لها، وقراءة ألف حساب لشأنها، وهي أن الإمارة والرئاسة، أو المنصب العام، إذا أعطيها من يرغب فيها، ويحرص عليها، ويسعى لاهثا وراءها، فإن الله تعالى يكله إلى مشاقها وأعبائها وعنائها، ليتخبط فيها ويصارع محنها ومشاكلها…
أما إذا أسندت إلى الجدير بها، القادر عليها، بدون أن يطلبها، ويسعى وراءها، فإن الله تعالى يعينه عليها، ويغلبه على أعبائها وصعابها، ويأخذ بيده إلى ما فيه الخير والنجاح…
ولاشك أن كل وظيفة لا تخلو من مشاق وأعباء، فإذا لم يرزق من تولاها عناية الله تعالى ورعايته، ارتبك في أموره، واختلط عليه الحق بالباطل، والصالح بالفاسد، وجانبه الرشد والسداد، فحبط عمله فكان من الخاسرين…
والحديث أيضا يشير إلى وجوب التباعد عن طلب الرئاسات والمناصب العامة، التي يتوقف عليها سير الأمة وارتقاؤها… والمؤسف أن الكثير من الناس هم الذين يتلهفون وراء المناصب، ويسلكون إليها كل سبيل، ولا يهدأ لهم بال، ولا يقر لهم قرار، حتى ينالوها، ويتبوأوا مقاعدها ولا يعلمون أن المسؤولية ثقيلة المحمل، كثيرة التبعات، وليست مجرد شهرة أو شهرية، أو قدرة على خفض هذا ورفع ذاك… إنها تتطلب جهدا وعناء ويقظة وانتباها، وعدلا بين سائر الناس، لا فرق بين القريب والبعيد، والصديق والعدو. ..
والمعهود عن هؤلاء أنهم يتحمسون للمنصب، ويأخذون على أنفسهم أنهم سينهضون بالمسؤولية ولكنهم ما إن ينالوها، حتى ينسوا عهودهم ووعودهم، ويتخذ من المنصب وسيلة لتحقيق أطماعهم، ونيل أمانيهم، وإغداق الخير على ذويهم وأشياعهم، وهؤلاء عندما تتخلى عنهم المناصب يعرض الناس عنهم، ويزدرونهم لأنهم لم يقرأوا للعاقبة حسابا، ولم يعملوا لها يوم كانوا أصحاب مناصب، يقدرون على نفع الناس، ولم يعتبروا بقول الشاعر الحكيم:
واصنع من الفعل الجميل ضائعا فإذا عزلت فإنها لا تعزل