بلادي وإن جارت علي عزيزة/ أمال السائحي
الشباب بمفهومه العميق، يعتبر الحقيقة الاجتماعية، وأساس البنيان، ولقد اختلف علماء الاجتماع والقانون والسكان وعلم النفس الاجتماعي في تعريفهم للشباب فتارة يحددونه بالسن، وتارة يحددونه بمرحلة نمو بيولوجي تكتمل فيه بنية الإنسان ونمو جسمه وأعضاؤه، ولعل أقرب تعريف إلى الحقيقة هو التعريف الاجتماعي الذي يقوم على تقسيم دورة حياة الإنسان إلى ثلاث مراحل تتوقف على مراحل النمو العضوي والنفسي، فهناك مرحلة الطفولة، ثم مرحلة التعليم وصقل المواهب في مرحلة الشباب وأخيرا مرحلة مواجهة الحياة وتحمل مسؤولياتها وضغوطها الاقتصادية والاجتماعية وتشغل جزءا من مرحلة الشباب وما بعد مرحلة الشباب، ولقد أشارت تقارير حول الشبيبة في العالم، قدم للجمعية العامة لليونسكو إلى أن فجر الألفية الثالثة سيصل فيه عدد الشباب إلى أكثر من مليار و 28 مليون شاب و شابة تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة يعيش ثلاثة أرباعهم بالعالم الثالث ( 59 مليون بإفريقيا و 322 مليون بآسيا ) . و في المغرب تحديدا هناك أزيد من 9 مليون من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 25 سنة . فالشباب في المجتمعات الثالثة يشكل قوة ديموغرافية تلعب دورا أساسيا في موازين القوى..
ولهذا و ذاك تهتم الأمم برعاية هذه الفئة الشبانية فكريا، واجتماعيا، واقتصاديا، لتجعل منها قوة ناضجة، فعالة، منظمة، وفق قوانين وخطط مدروسة،يكفل لها مستقبلا زاهرا، كله عطاء، وفكر وبناء، فهذه الطاقات الشبانية من الجميل أن تحظى بعناية خاصة جدا من طرف الدولة ومؤسساتها، ومن طرف الجمعيات، ومن طرف دور الشباب، والمساجد كل حسب دوره ومكانته في المجتمع.
والسؤال المطروح اليوم: هل حققت هذه المؤسسات لهذه الفئة الشبانية ما تطمح إليه؟ وضمنت لها مستقبلا واضح المعالم، وهل هذه الفئة الشبانية قامت بما يجب عليها نحو بلدها الأم ؟
قد يكون ذلك صحيحا بالنسبة لأمريكا والغرب عموما، لكنه غير صحيح البتة بالنسبة لشباب العالم الثالث، إلى درجة أن القلب يذوب كمدا عليهم، حيث ضاقت بهم سبل العيش في بلدانهم، فراحوا يركبون قوارب الموت ليمخروا البحار الثائرة، رجاء الوصول إلى أوروبا علهم تسنح لهم فرصة النجاة من حياتهم العاثرة، وقد استحال عليهم البقاء في بلدانهم التي لم يكفها ما كانت ترزح تحته من تخلف اقتصادي، حتى وقعت ضحية صراعات دولية معقدة، اتخذت منها ميدانا لتصفية حساباتها مع خصومها ، مما جعلها مرتعا للفتن الماكرة، ومسرحا للحروب الدائرة، فانحسرت فيها أسباب الحياة، وتقلصت أسباب العيش، وأكره الناس على الرحيل، وولى الجميع وجههم قبل أوروبا، حيث لا تسمع الأذن أزيز الطائرات، وهدير الدبابت، وصوت الرصاص، أو قصف المدافع، وانفجارات القنابل والصواريخ….
إن شباب العالم الثالث والعالم العربي قد عبث بمستقبله الحكم الاستبدادي، والتخلف الاقتصادي، وأزعجته عن أوطانه، فتن مستمرة ، وحروب مستعرة، ولولا ذلك لما فارق الأهل والإخوان، ولما هاجر الأوطان وقديما قال الشاعر العربي:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا علي كرام