أنتم هنا لتقدموا الحساب للشعب لا لتحاسبوه…؟/أ. محمد العلمي السائحي
لقد جاء في الأمثال “إن الفرد يعجز لا محالة” وهو مثل يساق لتأكيد حاجة الفرد إلى الغير، وأنه عاجز بنفسه، قوي بغيره، وقد يقوله الفرد: على سبيل الاعتذار عن تقصيره في تنفيذ ما أسند إليه من مهام، وهو قد يصلح للرجل العادي يلجأ إليه، ويتعلل به، لتبرير ما جبل عليه من ضعف، وما انتهت إليه قدراته من حدود، أما رجل الدولة فإن قدراته تتجاوز قدرات الفرد العادي، والإمكانيات المتاحة له، لا حدود لها، لذلك يستهجن منه الركون إلى منطق التبرير، لتفسير إخفاقه في بلوغ ما كلفه من أهداف، أو تقصيره في تنفيذ ما أسند إليه من مهام، ذلك لأنه لا يعمل منفردا، ولا يعول على قدراته المجردة، وإمكانياته المحدودة، بل وراءه مؤسسات تدعمه، وهياكل تسنده، وجيش كامل يمتثل لأمره، ولذلك لا يجوز في حقه التقصير، ولا ينتظر منه أن يأتينا في آخر المطاف بما يعلل إخفاقه، أو يبرر فشله، وكل مسئول يسلك ذلك المسلك ليس أهلا أن يكون رجل دولة، وعليه أن يتنحى ويترك المجال لغيره، فرجل الدولة الحق هو: الذي يبذل قصارى جهده في تنفيذ جليل الأعمال، بل يضحي بحياته ليضيف شيئا لدولته، يعزز منعتها، ويضاعف قوتها، ويزيد في رفعتها، أي يحرص كل الحرص على أن يتميز عطاؤه، وتتضاعف إنجازاته، وهذه الحقيقة هي التي ينبغي أن يعيها أعضاء حكومتنا، فهم لم يُقَلدوا مناصبهم ليواجهوا الشعب بالأقوال، بل إن المنتظر منهم أن يرفعوا له التقارير المفصلة عن ما أنجز من الأعمال، أمّا أن يأتي وزير ليقول لنا أن أزمة السكن، واكتظاظ المدارس، واهتراء الطرق، وتفاقم أزمة النقل مرده إلى تسارع النمو السكاني، وارتفاع نسبة المواليد، فذلك تنصل من المسئوليات، وتنكر للتكليف، أو أن يأتي آخر ليطلب منا أن نحمد الله لأننا نعيش في مستوى من الرفاهية، جعلنا نستعيض عن شرب ماء الحنفيات بالماء المعدني، متناسيا تماما ما يتردى فيه قطاعه من سوء تسيير إلى حد تسبب ذلك في انتشار أمراض معدية تهدد حياة الساكنة منها التفوئيد والكوليرا، وأين ذلك في قلب العاصمة لا في ولاية داخلية نائية، ثم ما أدراك أن لجوء الشعب إلى المعدنية كان اضطرارا لا اختيارا، لكون المياه التي توفرها له ليست من الجودة بحيث يطمئن إليها ويعول عليها، ثم هل قلدت منصبك في الحكومة لتحاسب الشعب أم لتقدم الحساب له؟ ليس من المقبول ولا من المعقول، ما ولغ فيه بعض رجال حكومتنا من سلوك ينم أكثر ما ينم عن التعالي، وكأنهم ليسوا من الشعب ولا الشعب منهم، في حين كان عليهم أن يعوا كل الوعي، أنهم هنا لخدمة الشعب وتلبية مطالبه، وأن تلك هي مهمتهم، وعلة وجودهم في الحكومة، وإلا فما حاجة الشعب إليهم؟